لأن من كانت بيوتهم مياتم، لا يسعهم سوى اعتبار الأهل مزحة اجتماعية.. يقولون أن لي أبًا وأمًّا، لكن إن كانا بلا معنى، فابنة من أكون؟ وهل عليَّ أن أنتمي تحت جناح أحدهم؟ أم أنَّ ظلي يكفي؟ ألا يُمكنني أن أنسب نفسي إلى نفسي فحسب؟
لو أنّك أخبرتني أن أبحث عن والداي في السابعة من عمري، لوجدتني أرسم هوية كل منهما وما أرغب أن يتواجد بها.. لأنني آنذاك كنتُ قد خرجتُ لتوي من بيضتي الكونية الأولى، وكانت الألوان التي أراها في نفسي.. أزرق، أبيض، ذهبي، تزرع الفضول لدي تجاهها.. والذي بدوره يرغمني على أن أتساءل من أين ورثتها؟ من أين جاءت إلي؟ وإلى من تعود؟
أما الآن، بعد أن أمست دورة حياتي شبيهةً بطائر الفينق.. أموت وأُخلق مرةً بعد مرة، باتت ألواني باهتة.. طفرةٌ جينية بعد كُلِّ ولادة، وجديدٌ بعد كلِّ إبادة، رمادي.. أسود..فضّي. أنظر إلى إنعكاسي ولا أرى فيه ما يبعث على التساؤل، فحين تُربّي نفسك بنفسك.. وترعى كيانك الرضيع بعد كل موت وإحياء، كيف لك ألا تعرف أصل كلّ لون وتاريخ كل ندبة؟ فهذه حين تم تعنيفي وتلك حين عاديتُ العالم وتلك حين فهمتُ ميكانيكية الشعور بغيري.
حين أزحف بعيدًا عن البيضة، وأنفض عنّي قشرها.. ثم أغدو كائنًا آخر.. أسدًا أو حصانًا، أيحقُ لكم اعتباري طائرًا حينها؟ أما زلتُ أنتسب إلى تغريداتكم حتى بزئيري أو صهيلي؟
لذلك أقول أن يبقى الوالدان في عُشّهما، ولأبقى أنا أضرب الأرض بقدماي عَدوًا.