أحيانا أقول لنفسي.. ليتني لم أنظر إليك، ليتني أمضيت حياتي عمياءً عن وجودك فيها، إلا أنني أعي بلادة أُمنيتي جيّدًا.. فمن ذاك الذي يقدر على إشاحة عينيه عنك؟ وسد أنفه عن عبيق رائحتك وأنتِ بجواره؟ من ذاك الذي لن يُلاحظ لون وشاحك القاتم وسترتك الوردية؟ أو نعومة أناملك حين تُداعب ميدالية الحقيبة؟ من الذي لن يقترب مُصغيًا إليك.. حين يضرب الهواء أوتار حنجرتك؟ تلك الترانيم المُقدسة.. التي تخرج منك حادة أحيانًا أثناء مناوشاتك، أو توبيخك للأصغر سنًا، وهادئة أثناء كل شيءٍ آخر؟ كيف لي تجاهلها إن كنتِ تهمسين بها في أذني كل يومٍ على متن الحافلة؟ حين تُخبرينَني عن عائلتك وبعضٍ من مُقتطقاتِ حياتك، تلك التفاصيل التي حاولتُ إبعادها عن غياهب النسيان قدر ما أمكن.. فينتهي بي المطاف كمن يحفظ الماء بين كفّيه، فأُراقب فُقداني إياها حين تسيل من أناملي بأسى، لقد أصبحت ملامحك مُبهمةً الآن.. لكنني لن أنسى قطعًا اختلاسك النظر إلي أثناء روايتك لقصةٍ ما وتحريكك يديك شارحةً إياها، مُنتبهةً إلى ردات فعلي الهادئة جيدًا، كي تُقرري ما عليكِ قوله بعدها أو ما إذا كان عليك التوقف أو لربما تغيير الموضوع. لقد كُنّا نتشابه في هذه النقطة كثيرًا، الفرق أن سلاسة الكلام على لسانك دون تكلف كانت تُتيح لك الإنسجام مع غيرك بسرعة. أتعينَ البؤس الذي غرزه كمالُك فيني؟ أتفهمين لماذا أتمنى لو أن شيئًا لم يكن الآن؟ لأنكِ يا عزيزتي قدّمت لي سُبل الوصول إليك على طبقٍ من ذهب وانا لم أسلكها! فأيُّ عذرٍ أمتلكه أنا لإضاعتك من حياتي هكذا؟ بل لإضاعتكم جميعًا؟ يا من ربّتم على رأسي برقةٍ ممزوجة بالفضول أكثر من مرّة؟ كيف أعلل جحودي لإبتساماتكم؟ فأنا أتناساكم ها هُنا حتّى أتوقف عن احتقار نفسي بهذه الشدة، لكونِها أجبن من أن تخطو خطوةً واحدة أقرب.. إليكم.