نثارٌ من الندم على عتبةِ الغيرةِ

82 9 29
                                    

أيتها الحبيبة،

يَمْلأُ صدري اعترافٌ مُرٌّ، يَعْصِفُ بهِ نَارُ الغَيْرَةِ، يَحْتَرِقُ على مذبحِ الْحُبِّ.

أُقدمُ لكِ هذا الاعتذار، مُحملاً بِأصدقِ مشاعري، وأعمقِ أسفي على ما بدر مني من هفواتٍ وزلاتٍ.

أَعْتَرِفُ بِأَنّني انْفَعَلْتُ، تَمَلّكَتْني هَوْلُ الغَيْرَةِ، فَفَارَتْ مني كَلِمَاتٌ لَمْ أَقْصِدْهَا، وَأَقْدَامٌ لَمْ أَحْسَبْ لَهَا حِسَابًا.

 أقرّ بأنّني أسيرٌ في قيود الغَيرة، تَملكني جنونها فأساءتُ التصرف، وربما زادت أفعالي حدّ المبالغة، وسلكتُ دُروبَ العِدوانيَ َدُون وعيٍ مني، وَأَنّني أحاولُ عبثاً إخفاءَ نارِ الغيرةِ المتّقدةِ في صدري، لَكِنْ عَلَى مَنْ أُخْفِيها؟ وكنّها كاللّظى تَتوهّجُ في عينيّ،وَدُخَانُ غَيْرَتِي يتصاعدُ خيوطاً عاريةً أمام عينيكِ  كَالشَّمْسِ في ضُحَى الْيَوْمِ، فكيفَ أُخفي ما يملأُ كياني؟

لكنّني أُصارحُكِ أيضاً بأنّ سلوكَكِ أحياناً يُثيرُ فتيلَ الغيرةِ فيّ،أُشيرُ بإصبعٍ خفيّ إلى أنّكِ، يا من أُحبّ، يا من تلعبينَ بأعصابي، وتُضاعفينَ من حدةِ غيظي، وكأنّكِ تستمتعينَ برؤيةِ تلكَ المشاعرِ تتراقصُ على وجوهِ حروفي،ودفعي إلى حافة الجنون، أُدركُ أنّ هذا من ظنوني المجنونةِ، وأنّكِ بريئةٌ من كلّ ما أُلصقُهُ بكِ هَل تُصَدقتِي ذلك؟ بالطبع لا

أُدركُ أنّني لا أملكُ حقّ التحكم بك، وأنّكِ حرةٌ في تصرفاتكِ.. لكنّني أُناشدُكِ  أيتها الحبيبة أن تُراعي مشاعري، وأن تُخفّفي من حدة تصرفاتكِ التي  تُشعلُ فتيل الغَيرة في داخِلي.

آهٍ مِنْكِ، أَتلْفِتِينَ أَعْصَابِي!

فَليعلَم الجَميع أنّ تِلْكَ الأَعْصَابُ المُتَلَفَّةُ تَبْقَى أَدْلَّةً آخِرَى وَآخِرَى عَلَى شِدَّةِ حُبِّي لَكِ. فَأَنَا لا أَغْضِبُ إِلَّا مِنْ فَرْطِ حِرْصِي وَخَوْفِي عَلَيْكِ،لا أُبرّرُ سلوكي، بل أُدينُهُ بكلّ شدّةٍ، وأُؤكّدُ لكِ أنّ تصرفاتي لم تكن يوماً تعبيراً عن سوءِ طبعٍ، أو قسوةِ قلبٍ، بل كانت نابعةً من شدّةِ حبيّ لكِ، ولا ألومُكِ على ما بدر مني، بل أُلقي اللومَ على نَفسي وعَلى مَشاعري الجَامحَه

ولكن يا قُرَة عَيني..

أُقسمُ لكِ، أنّني أُقاومُ غيْرتي بكلّ ما أوتيتُ من قوة، لكنّها أقوى منّي، تُسيطرُ عليّ وتُحَرّكُ أفعالي دون إرادتي.

أُقسمُ لكِ، أنّ كلّ هفوةٍ وكلّ كلمةٍ جارحةٍ هي دليلٌ على عمقِ حبيّ لكِ، فلو لم أكنْ أحبّكِ بِصدقٍ لما آلمَني افعالك، ولما خفتُ من فِقدانِكِ، ولما ثارتْ مشاعري بِهذهِ الطريقة.

وأُقْسِمُ لَكِ بِعَيْنَيَّ اللتين تَذُوبُ فيهما دُموعُ النَّدَمِ، أَنَّ حُبَّكِ يَسْكُنُ أَعْمَاقَ قَلْبِي، وَأَنَّكِ أَغْلَى مَا أَمْلِكُهُ في هذِهِ الدُّنْيَا. أُدركُ أنّ مشاعري قد تُؤذي مشاعركِ، وأنّ تصرفاتي قد تُثيرُ غضبكِ، لكنّني لا أملكُ قوّةً على التحكّمِ بها.

أرجو منكِ الصفح، إنْ أخطأتُ أوْ تجاوزتُ الحدودَ، فالحبّ يعمي أحيانًا، والغيرةُ تُفرزُ سلوكياتٍ لا إرادية.

وَاعْلَمِي أَنَّ غَيْرَتِي لَيْسَتْ إِلَّا دَلِيلًا عَلَى حُبِّي الشَّدِيدِ لَكِ،

أَتَسَامَحُني، يا مَنْ أَسْكَرَتْ قَلْبِي أَسْهَرُهُ؟

أَتَسْتَقْبِلي عُذْرِي، وَقَدْ أَجْرَمْتُ وَأَلْمَسْتُ؟

أَتَرَي لِي عِنْدَكِ مَغْفِرَةً، وَأَنْت أَحْبَبْتِ؟

أَمْ أَظَلُّ أُعَذَّبُ بِالنَّدَمِ، وَأَتَوَلَّهُ بِاللَّهَبِ؟

أَحْرَقَني اللَّهَبُ، وَأَذابَني الشَّوْقُ، وَأَفْنَاني العِشْقُ،

فَهلْ تَكُونِينَ رَحِيمَةً، وَتُنْقِذِينِي مِنْ هَذَا الأَرْقِ؟

أَقْسَمْتُ بِعَيْنَيْكِ الناعِسَتَين، وَبِشَفَتَيْكِ، وَبِخُدِّكِ، وَبِثَغْرِكِ،

أَنِّي لَأُحِبُّكِ حُبًّا يَفْرِقُ بَيْنِي وَبَيْنَ رُوحِي!

أَقْفُ على أعتابِ قلبِكِ،

 مُنتظراً حُكمَكِ على ما بدرَ مني،

مع خالصِ حُبّي وتقديري،

من يَكادُ يَمْسَخُهُ العشقُ.


أميرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن