الفصل الثالث عشر

6 2 0
                                    

الأحد 19 أبريل 1321

                            إيمي سميث

بقي يوم على إتمام عامي المائة، و قد كنت أحسب أني سأقضيه سعيدة وسط من اعتبرهم أهلي و عائلتي يوما .

   لكن للأسف الشديد، من الظاهر أني قد أقضيه فوق هذه الخرقة المهترئة وسط الكوخ الذي استعمرته شباك العنكبوت، رفقة جسد ذاك الأحمق الذي لا نعرف بعد محياه من مماته...

لن يكون بإمكاني إخفاء شكلي الحقيقي عنهما بعد الآن... فمع بلوغي لعامي المائة في اليوم الثالث من اكتمال القمر لن أتمكن من أخذ شكل أحد لفترة من الزمن... على كل، بعدما عرفت حقيقة الأمر لم يعد الحفاظ على أسرار القرية مهما، إن مجرد التفكير في الأمر يجعلني غاضبة!

لقد تمت السيطرة على قبيلة الذئب تماما و تحويلها لقرية ساحرات وضيعة، بل و حتى غلاديس تتعاون معهم ضدنا... و هكذا فليس لي إلا أن أصدق ما قاله ذاك الأحمق بشأن جثة أليس و كذا تلك الشجرة التي اعتبرتها مقدسة!

بعد التفكير فيبدو أنه تم خداعنا لفترة طويلة من الزمن، طويلة جدا بالنسبة لأي بشري عادي... الآن لا أجد نفسي إلا متذكرة ما حدث قبل تسعين عاما و المأساة الفضيعة التي شهدتها القبيلة.

حينها كنت بالكاد أبلغ العاشرة من عمري و لم يكن لي دراية بشيئ غير اللهو ، الأكل و النوم...حتى حينما بدأت حوادث غريبة تقع لم أكن آبهة لذلك. ما أعنيه بحوادث غريبة هو موت الكبار منا واحدا تلو الآخر إلى أن وصل الأمر لوفاة والدي دون سابق انذار...حينها فقط أدركت عندما رأيت تعابير والدتي أننا قد بدأنا بالإنقراض!

     لم يكن أحد يعلم السبب، لكن الطبيب لم يصل إلا لاستنتاج أن وباء مميتا بدأ ينتشر بيننا و لحسن الحظ وقتها لم يصب الصغار قط ...

    إننا نظل غير قادرين على التفكير بشكل صحيح حتى نصل المائة عام و قبل ذلك يكون عقلنا كعقل طفل بشري عادي في الخامسة من عمره...و هذا ما زاد الأمور سوءا ، فإن انتهى الأمر بالكبار ميتين جميعا فالصغار سيقضون على أنفسهم بنفسهم، و ستمحى قبيلة الذئب من الوجود إلى الأبد!

     و للأسف ما كان متوقعا قد حدث ، فقد مات الجميع ما عدا الأطفال الذين تركوا دون أن يعلموا ما عساهم يفعلون في مصيبتهم...حتى ذاك اليوم...

    ذاك اليوم الذي اعتبرناه يوم النجدة حينما جاءت امرأة ذات رداء يغطيها من رأسها حتى أخمص قدميها مدعية أنها ساحرة عظيمة سترفع اللعنة التي أصابتنا...و طبعا لكوننا قد وصلنا لأدنى درجات اليأس فما كان منا إلا أن نصدقها بل حتى وصلنا لدرجة تقديسها حينما بدأت أحوالنا تتحسن و بدأت البيوت المهدمة تبنى من جديد ، الطعام يملؤ المعدة التي قهرها الجوع و الجروح المتعفنة تشفى. بل حتى أننا كنا منبهرين بالساحرة الخارقة التي تحرك الأشياء دون لمسها!

    و هكذا تم منحها البيت الأكثر فخامة ، الطعام الأكثر لذة و القوة التي من شأنها حمايتها ، لتنضم إليها بعد فترة زميلاتها ليمارسن طقوسا على تلك الشجرة الضخمة كل ليلة سبت مدعيات بأنهن يحميننا من لعنات و بطش البشر المتوحشين الذين كانوا السبب الرئيسي في ما أصابنا من لعنة ...

     كم كنا أغبياء بلا عقل لنصدق مثل هذه الترهات!

     تعال لنفكر في ما أصاب ذاك الطبيب المختل الآن ، منذ لحظات بدا و كأنه لا وجود لشيئ يخافه أو يقهره متفاخرا بقلبه الشجاع و عقله الذي لا يغادر حدود المنطق و الاستنتاج و جسده القوي الذي لا تقتله حتى ضربة فأس قاتلة....

     لكن ها هو الآن طريح الفراش لا يفيق مهما رششناه ماء أو هززناه هزا ، بل حتى أن الغلام كان له من الجرأة أن يصفعه ليس صفعة واحدة إنما منحه صفعات متتاليا من شأنها أن تفيق ميتا حتى التهبت خداه.

     و مع ذلك فهو لم يفتح له جفن أو يتحرك منه ساكن ، و لم نتيقن من محياه إلا بنبضات قلبه الدي تزدح كطبول الحرب!
     من سوء حظه أنه لا طبيب في هذه القرية غير عجوز أصابه الخرف و نهش الزمن عضامه حتى تمكن منه الشلل و أخذ مهارته معه ، الآن ليس بيدنا شيء غير انتظار مفاقه من موته.

     كل ما أخبرني إياه الغلام و هو يدخله جارا إياه جرا حتى طلى الطين ثيابه ، أنه حذره مسبقا من مس الجذر المسحور لكنه فعل ما تلاه عليه دماغه الذي اعتلاه الغرور و كأنما لا دماغ عارف بالحياة أكثر منه لينتهي به الأمر هكذا...و قد قال شيئا آخر عن كونه كان يتوقع أن يجده مبتور اليد - لا أدري ما هي العلاقة بين الجذر المسحور و بتر اليد - إلا أنه لم يحدث أي شيئ مما توقعه بل أن الأمر تجاوز توقعاته تماما فوجده مرفوعا أنفه يلامس سقف النفق بينما جسده ينتفض كمن تخرج روحه و الجسد غير راغب في تركها تغادره لعشقه الحياة و ملذاتها... إلى أن نفضته قوة خفية لتجعله يعانق الأرض التي اشتاقها محلقا...

     و بينما كنت أخط للتو انتفض الرجل المجنون جاعلا إياي أقفز هلعا و هو يصرخ بلفظ الشيطان...

شجرة الموتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن