الفصل الثامن عشر

12 1 0
                                    

الإثنين 20 أبريل 1321

                         توماس روبنسون

    أفقت فيقة هلوعة على وجه مكمش غائر كأنما بات في الماء،  توارت ملامحه خلف الأخاديد التي نحتها الزمن ماعدا العينين البلوريتين مختلفتي اللون، اللتان كانتا تلمعان مكرا مؤكدتان أن الحياة ماتزال تدب في الهيكل العظمي مقوس الظهر الذي التصق به جلد شاحب شحوب الأموات مع شعر أبيض تخطى طوله الخصر ...

من النادر جدا بل يكاد يكون من المستحيل أن يوجد شخص ذو عينين مختلفتين...
( أعتقد أنني قرأت شيئا عن هذه الظاهرة في كتاب ما لكني لا أتذكر ! )

كان من السخيف أن أفقد وعيي من مجرد رؤية عجوز مجعدة ، لكن بعد كل ما لقيته من شياطين فقد كانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير ...

...في الحقيقة اعتقد أني كنت نائما فحسب ، صحيح أني أخاف الأشباح إلا أنه من المستحيل أن يصل بي الأمر لدرجة فقدان وعيي لفترة طويلة لمجرد رؤيتي لعجوز مخيفة في الظلام...أليس كذلك؟

     بعد هنينة صمت مسحت خلالها الماء المندلق على وجهي ، و الذي لم أجد له مصدرا غير الجرة الطينية التي تتدلى في يد العجوز فارغة... بدا أنها أفرغت ما بها علينا لتوقظنا من سبات الرعب الذي دخلناه و الفضل لها !

    قلت و أنا أقترب منها لأرى العينين الفريدتين عن قرب :
" من أنتِ ؟ "
  
حدقت في لوهلة ثم أجابت بشكل غير متوقع بعد أن تذمرت بشأن تعليقات الغلام على شكلها :
"" أنا...هي المرأة التي كانت تستلقي على السرير مصابة، إيمي ! "

    هتفت و الغلام في آن واحد :
" ماذا ؟! "

ما تفوهت به كان من سابع المستحيلات، فكيف لامرأة كانت تنبض شبابا أن تشيخ وتصبح عجوزا هرمة بين ليلة وضحاها؟

    أكملت موجهة الحديث لي :
" أ تذكر حينما سألتني عن سبب تغير لون شعري للأبيض ليلة أمس و قد أخبرتك أنك ستعلم لاحقا؟...حسن، أعتقد  أن الوقت قد حان لتعرفا كلاكما حقيقة أمري فقد أحتاج مساعدتكما..."

     بعد لحظة من الصدمة كان الغلام هو أول من انتفض واقفا ليجلس بمحاذاتها و عيناه قد استحوذ عليهما بريق الفضول و الحماس. قال و هو يتفحصها عن قرب :
" إذن...أ تعنين أن هناك سرا ما خلفك ؟ أ...أ يعقل؟ هل أنت لست بكائن بشري أيتها الجدة ؟ ..."
   
    حدقت فيه بنظرة ازدراء معاتبة ثم أجابت :
" لا تنادني بالجدة يا فتى...لقد أخبرتك أنني سأعود لشكلي عما قريب..."

أكملت ببرود :
"  في الحقيقة...أنا ...أنا وحيد قرن كان يعيش في الغابات الاستوائية و ذات مرة أصبت بلعنة فتحولت لإنسان ! "

      كتمت ضحكتي بصعوبة في خضم النبرة التي قالت بها تلك التراهات ، لم أتوقع أنها ستعطي الغلام المتحمس الذي اعتلاه فضول اكتشاف المجهول جوابا متهكما كذاك، لقد باتت المرأة البلهاء الوقحة عجوزا مرحة !

شجرة الموتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن