الفصل الرابع و العشرين

7 1 0
                                    

الإثنين 20 أبريل 1321م

                            إيمي سميث

   بعد مضي ساعات من استلقائي، حيث لم أنم إلا بضع ساعات  لا تكفل بإزالة تثاؤبي ، استيقظت على صوت صرير الباب الخشبي الذي فتح ليظهر رجل ضخم البنية، ذو وجه شاحب، احتله التعب واستقر السواد أسفل عينيه. لقد كان الطبيب سليط اللسان الذي عاد بعدما أنهى ما يتوجب عليه، قلت وأنا أعدل جلستي:
" هل عدت؟ "

رد ببرود وهو يرمي نفسه على الأريكة:
" لا، لم أعد بعد! "

" أتتهكم؟ "

" اصمتي للحظة ودعيني أنام! "

ألقى جملته الأخيرة ثم أغمض عينيه دون أن ينظر لي، ولم يمضي الكثير من الوقت حتى سمع صوت شخيره المزعج. اعتقدت أنه كان الوقت المناسب لأن نتحدث عن الأمور الغريبة التي حصلت والتي ستحصل إن استمررنا على تلك الوتيرة ، لكن بدا أني كنت مخطئة، فإن نمت قليلا، فهو لم يغمض له جفن، ناهيك عن أنه يقدم خدماته دون أن يسأل مقابلا...لذا ما كان مني إلا أن أدعه وشأنه، وأدع النقاش لوقت لاحق، بالرغم من أنني كنت شديدة الشوق لمعرفة طريق مغادرة القرية التي بتنا فيها...

   لقد كان الغلام غائبا طوال الصباح، وقد شككت أن النعاس قد أخذ به في مكان ما...لذا بقيت ساكنة وسط الكوخ المظلم رغم النهار والسكوت المطبق رغم وجود أشخاص في الخارج... في الحقيقة، كانت تلك هي الظروف المثالية لتعيد ترتيب أفكارك لتضحى واضحة وتبتلع فوضى دماغك حتى تستحيل هدوءا...

   بعد أن أكملت مائة عام، بت أشك أن ما حل بنا من قدرات تخرق قوانين الطبيعة ليست إلا لعنة أخذت عقولنا، تاركة إيانا لنواجه الموت فمن غلبه نال عقله ثانية ومن غلب أضحى جثة تنقرها الغربان...

   ومن الغريب أنني أرغب في الإنتقام بعد كل هذه السنين من أشخاص لم يفعلوا لي شيئا سوى أنهم اقترحوا اقتراحا وأنا من قبلته، هل يعتبر استغلالهم غبائي جريمة حتى؟ هل علي أن أمضي في حياتي قدما فحسب متجاهلة أهل قبيلتي؟

   كنت على وشك أن أجد إجابة لتساؤلاتي حينما توالت على الباب دقات وكأنما يرمى بالحجر، جفلت بينما استيقظ النائم هلعا ساخطا على من حرمه نومه، وبعد وهلة سمع صراخ امرأة تستنجد، أخفاني الطبيب في زاوية غير مرئية ثم فتح الباب وغادر مرافقا إياها...راقبتهما من الباب حتى تواريا عن الأنظار ثم عدت مكاني لأحظى بمزيد من الأفكار والراحة قبل أن تبدأ عواصف الأحداث التي تثير الأعصاب ثانية...

  بعد مضي ساعة فتح الباب فجأة ليدخل  الغلام ووجهه قد احتله التعب حتى أضحى شاحبا، بينما انتشر الوحل على ملابسه ويديه، لقد كان في حالة يرثى لها وكأنه طفل صغير كان يحظى ببعض المرح لكن تعابير وجه ألفريد لم تكن تبشر بالخير، بل بدا فزعا أكثر، كمن يلاحقه وحش أو فعل فعلة شنيعة. سألت وأنا أتفحصه من رأسه حتى أخمص قدميه:
" ماذا حل بك؟ "

أجاب وهو يقلب عينيه في توتر:
" ل...ل...لا شيء، لقد زلقت فقط بينما كنت أحضر بعض الحطب من الغابة "

" أوه، هل تأذيت؟ "

" كلا ...كلا، أنا على ما يرام "

سكت قليلا يجمع أفكاره ثم استفهم:
" أين هو ذلك الطبيب؟ ألم يعد بعد؟ "

" لقد أتت امرأة دقت الباب فذهب معها أعتقد أن شيئا أصاب زوجة القس..."

تردد ثم قال:
" ل...لا أعتقد أنه من الملائم لي أن أذهب لأطمئن عليها، أليس كذلك؟ ثم من الأفضل أن أبقى معك حتى يأتي ويخبرنا بمصابها..."
ثم جلس على الأرض متجنبا الكنبة كي لا يطليها بالوحل، رددت غير آبهة:
" كما تشاء! "

  لم يعد الطبيب حتى أمسى المساء وقد كانت هناك نظرة غريبة على وجهه، وقد سار للأريكة وألقى بنفسه عليها غارقا في أفكاره دون أن يلتفت لمن حوله، بادر الغلام أولا قائلا:
" مرحبا بعودتك، مالذي حدث ليرتسم مثل ذاك التعبير على وجهك؟ "

   استغرقه الأمر وقتا ليجيب تاركا إيانا وسط ترقب عظيم لما سينطق به، وأخيرا قال:
" لقد ماتت زوجة القس! "

قلت في غير وعي:
" أوه، يا إلهي...المسكينة! "

بينما أنزل الغلام رأسه أسفا، وبعد لحظات ساد فيها الصمت، تابع كلامه:
" لقد انتحرت إن جاز لي القول..."

سألت:
" انتحرت؟ هل استيقظت لتنتحر؟ "

أجاب وتعابير الشك تعلو وجهه:
" ه...هذا ما يثير الشك، عندما دخلت الكوخ الخشبي وجدتها معلقة بالسقف وحبل يحيط رقبتها، وقد أخبرتني السيدة براون بأنها ذهبت وحماتها لطبخ الغذاء بينما عاد القس لتفقد منزله المحترق أما السيد براون فخرج دون أن تعرف وجهته،  وعندما عادت لتتفقدها ثانية وجدتها معلقة لذا أتت مسرعة إلي علي أنقذها، لكن الأوان كان قد فات...الغريب في الأمر أنه من المستحيل أن تتمكن تلك المرأة المحروقة بالكامل من الحركة...فكيف لها بالانتحار...كما أن هناك شيئا غريبا بلسانها، كانت عليه علامات أردت تفقدها لكن الجميع أبعدني كي لا أدنس الجثة..."

" ولم قد تنتحر وهي على وشك الموت أساسا؟ "

" قالت السيدة براون أنها ربما رأت شكلها الذي أصبح مشوها في المرآة فلم تستطع أن تستحمل فأنهت حياتها..."

" هذا حقا غريب...وماذا ستفعل بعد ذلك؟ "

فكر قليلا ثم أجاب:
" غدا الجنازة، إن كانت هناك لي فرصة لأنظر الجثة ثانية فسأفعل و إن لم تكن فسأنسى الأمر فحسب، وسنغادر القرية ليلا..."

أردف الغلام قبلي:
" تغادران القرية؟ إلى أين؟ "

رد الطبيب:
" بالطبع سأعود لمنزلي، فلا شيء لأفعله هنا! "

سألت :
" وماذا عني؟ "

أجاب ببرود:
" اذهب حيث شئت أيتها الجدة...أنت قوية لذا لن تصابي بأذى..."

تمتم ألفريد قبل أن يقول محرجا:
" هل يمكنني أن أرافقكما وأغادر المكان أيضا؟ "

استلقى الطبيب مغمضا عينيه ليغرق في النوم، وفعلت الشيء نفسه بينما ترك الغلام المسكين دون جواب...

شجرة الموتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن