الفصل الخامس عشر

7 2 0
                                    

  الأربعاء 22 أبريل 1321م

                           القس ماركوس

    استيقظت في هذا الصباح البديع على زقزقة العصافير التي أطربت أذني و أزعجت منام زوجتي التي تحب الاستيقاظ متأخرة...

    لازلت عاجزا عن فهم أولائك الذين تتجاوز ساعات نومهم الثامنة ، بالنسبة لي إن لم تكن تستيقظ باكرا فإن نصف يومك يضيع هباء...

      أيقظت الأطفال و منحتهم فطورهم ... أعلم أني أقوم بدور الأم ، لكن ماذا عساي أفعل ؟ فإن لم أقم بالأمور بنفسي فزوجتي لن تقوم بها، و هكذا سيعتاد الأطفال حياة الكسل و ينتهي بهم الأمر كالمدعو توماس روبنسون، مدفونين تحت التربة دون أدنى انجاز يذكر لهما!

     لا أقول أن زوجتي أم سيئة لا تؤدي دورها جيدا ، كلا بل إنها تقوم بواجبها و أكثر و أنا أعتز بها و أحترمها كثيرا ، لكن منهجَينا في الحياة متوازيين لا يلتقيان...

    فهي راضية بأن يتبع ابنها نهج أبيه بينما تزوج الصغيرة جين لتاجر له بضعة جنيهات في خزنته، و هكذا تكمل هي حياتها في هذه القرية البائسة حتى تسلم الروح نفسها...
 
    أما أنا فلطالما كنت رجلا ذا طموح. حسنا ، أنا لم أحقق شيئا من طموحي بعد لكني سأفعل يوما ما بالتأكيد ، و أريد لأطفال أن يكون مثلي ، لا يوجد سيقف يحد أحلامهم حتى و لو ولدوا في قاعدة الهرم و دهست عليهم الأقدام ، يجب أن يستمروا في القتال حتى آخر رمق !

    ومن أجل تحقيق ما أرنو إليه كان علي أن أعلم الأطفال القراءة و الكتابة و كافة العلوم التي أورثني إياها أبي المتوفى...

    فالمعلمين باهضي الثمن ، ناهيك عن أنه لن يجرؤ أي منهم أن يخطو خطوة واحدة في مثل هذا المكان المتعفن حتى يعلم أبناء قسيس متواضعة أحواله ، و يترك القصور و القلاع التي تتلألأ لها العيون جشعا...

     بعد أن أكملت مهامي التربوية لأطفالي الأعزاء توجهت لمكتبي ، و بالتحديد رف الكتب الذي تراكم عليه التراب ، إذ لم تسنح لي الفرصة لقراءة أي واحد منها مذ بدأت عملية تصفية الساحرات...

    جالت عيناي  الرف عموديا و أفقيا  حتى لقيت ما تبغيه : كتاب يتحدث عن تلك الشجرة العملاقة وسط الغابة.

     سابقا لم أقدر إكماله أو بلأحرى مللته فهو في حقيقة الأمر ليس سوى موسوعة لأشجار ذات أسماء و أشكال  غريبة ، لم أهتم لها باستثناء التحذير المكتوب أسفل رسم تلك الشجرة و التي أخبرني والدي أنه من واجبي أن أبعد الناس عنها...

    سحبت الكتاب ،نفضت الغبار من عليه و قعدت أقلب أوراقع بطرف سبابتي حتى و قفت عند مبتغاي. كان مكتوبا في الصفحة الخامسة و الأربعون المصفرة الشبه متآكلة :
《                        شجرة الموت

     شجرة ملعونة، استولى عليها الشر ، غطتها الدماء و علقت عليها القرابين!

      شجرة من يقربها تلاحقه لعنة تودي بحياته بأبشع الطرق.
يرجى الحذر من مسها أو تجاوزها للطرف الآخر فلا يقبع وراءها إلا الهلاك...

                        المستكشف : فريدريك جوناس     》

       من جهة يبدو هذا صحيحا بما أننا عثرنا على جثة توم مرمية جنب كوخه وقد نهشتها الذئاب نهشا ، و من جهة أخرى فإن الأمر غير منطقي بعض الشيئ بما أننا لم نجد لجثث الساحرات اللائي هربنا إلى الغابة  أثرا...

     إنني حقا لا أدري ماذا عساي أفعل ، فلا أحد من القرية رغب بإتمام البحث و تقصي أمرهن ( الساحرات) ، خوفا من أن ينتهي بهم الأمر مثله. و هكذا لم تكن هناك أي عمليات بحث لا أمس و لا اليوم. إن هذا يضع سمعتي في الحضيض!

    لكن و لمفاجأتي، زارني شخص غير متوقع بينما كنت غارقا في حيرتي!

    لقد كان البارون وينتر الذي حظر جنازة توماس!

    ماذا أراد مني أنا الذي لا تمتني به أي صلة ؟

    حسن ، عند الظهر دق الباب، فلما فتحت له دخل دون استأذان ليتوجه للأريكة القديمة في الصالة التي استحت أن يجلس عليها شخص ثمين مثله... ثم بعد صمت ادراك خاطبته بينما كان أنفه يكاد يمس السقف غرورا !

   قلت :
" سيدي البارون، كيف لي أن أساعدك ؟"

    نظر لي من رأسي لأخمص قدمي ثم رد و هو يجر الكلمات جرا و اللعاب يتطاير من فمه بحيث تلألأت سن ذهبية من بين شفتيه الجافة :
" إنه لمن الراااائع أن تكوووون لك جرأة تظن بها أنك تستطيييع مسااااعدتي في شيء ! "

" كلا ، ما أعني..."

قاطعني برفع يده التي يثقلها خاتم ذو بلورة حمراء كبيرة ، فقال :
" ليس عندي وقت لأسمع تراهات أعذارك..."
  
أحنى رأسه نحوي ليكمل الحديث بينما غسل لعابه وجهي :
" ذاك المدعو توم روبنسون...المتوفى حديثا...لا أعتقد بأن علاقتكما كانت جيدة ،أليس كذلك؟ "

" بلى سيدي ، لم تكن بتلك الروعة ! "

" أتعلم شيئا ؟ إن أعداء أعدائي هم أصدقائي! "

رددت في حيرة :
" أنا  وتوم لم نكن أعداء...إننا لم نتفاهم فحسب! "

   نظر لي بابتسامة مستفزة ثم قال :
" أجل أجل ، أفهم ما تعنيه تماما...الآن هيا خذ هذا و اعتبره هدية من صديق جديد ! "

    مد لي ضرفا أصفر اللون ، و لما رأى نظرات الحيرة في عيني أردف مفسرا :
" إنها دعوة لتنضم للكنيسة في العاصمة...سمعت أنك ترغب في العمل هناك تحت سلطة البابا..."

   أكمل و هو يغمز غمزة سخيفة و طفولية :
" و من يعلم ؟ ربما تصبح أنت البابا القادم! "

    سألت في حيرة و تردد شديدين ، إذ لم أستوعب لما يمد لي شخص لا أعرفه مثل هذه الفرصة الثمينة :
" لكن ... لماذا تمنحني أنا مثل هذا الشرف ؟... و اعذرني لكني لم يسبق لي أن لقيت حنى أمس في الجنازة! "

   أجاب و هو ينهض مغادرا :
" حسن، لقد خلصتنا من حجر عثرة و... أعتقد أنك تستحق مكافأة ! "

   صفق الباب خلفه تاركا إياي وسط الصمت غير مدرك لأي شيء ، بالطبع هذه فرصة لا يجب علي تفويتها فكما قال قد أصبح البابا القادم ، لكني لا أفهم ما يعنيه بحجر العثرة الذي خلصته منه...أنا لم أتخلص يوما من أي حجر!

  

شجرة الموتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن