ستة

571 62 25
                                    

فتحتُ عيني بعد نوم طويل، أشعر بالتحسن الواضح في جسدي .. لكنني أرغب بالعودة للنوم، الغرفة كانت مظلمة باستثناء شريط رفيع من الضوء يتسلل من النافذة، أغمضت عيني وتقلبت في السرير.. لا أريد الاستيقاظ، أريد النوم للأبد، لستُ مستعدًا لمواجهة يامن.

سمعت صوت صرير الباب:

-هل أنت مستيقظ؟

رفعت البطانية عن وجهي واعتدلت جالسًا، رأيت يامن يقف في الباب، عيناه تعكسان القلق على وجهه الشاحب، كان يحمل صينية طعام، أجبته بصوت ناعس:

-آه نعم، لقد استيقظت للتو.

وضع الصينية بالطاولة التي بجانب السرير وهو يقول:

-تناول طعامك بالهناء والشفاء.

كنتُ صامتًا أترقب، يدي تقبض على البطانية بقوة وقلبي ينبض بهدوء مترقِب.

أما يامن، كان طبيعيًا إلى حد ما، صحيح أن وجهه لم يستعد حيويته ونضارته، لكن عينيه عادت لانتعاشهما.

-والدي يريد أن يطمئن عليك.

هذا ما فاجئني به بعد أن أنهيت تناول طعامي .. نظرت له بنظرة واجلة، لكن دخول والده قاطع أي ردة فعل كنتُ سأتخذها.

كان كما شاهدته من قبل، رجلًا مهيبًا، يغزو الشيب لحيته الخفيفة، وذو حضور واضح.

رحب بي وسلّم بحنان وقور، اتخذ كرسيًا كان بجانبي وهو يسأل عن حالي، أجبته متصنعًا الهدوء:

-بخير الحمدلله، لن أنسى وقفتكم معي يا عم، لقد ذهبت الحمى واستعدتُ صحتي.

-ليس هناك ما تشكرنا عليه، حق وواجب يا بُني.

(بُني) .. كالسهم في قلبي، هل يعرف كم تستفز هذه الكلمة من مشاعر جريحة فيّ؟ يا ليته لا يقولها، ليته ينادي باسمي جهاد، أو يا ليته يسأل عن ندوبي ولا ينادي بـ بُني اللاذعة هذه. إنها تذكرني بصورة الأب الحقيقي، وتحطم الحبال الواهية من الأعذار التي أنسجها لصورة والدي.

-كما تعلم يا بني، أنتَ في الحقيقة بمقام ابني يامن عندي.

وضع يده على كتف ابنه يامن، ونظر لي نظرة صادقة.

-ولو أن يامن يمرّ بمشكلة ما، فإنني سأقف إلى جانبه حتمًا، وهذا هو نفس الأمر معك يا جهاد.

نظرت له منصتًا لحديثه، أومأت له موافقًا:

-من طيب أصلك يا عمي.

أبي الغائبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن