أنهينا تقريبًا مراجعة نصف كتاب الكيمياء، لم أعد أتعوذ من الشيطان حين فتحه، فقد بدا لي أخيرًا أنه علمٌ حقيقي وليس شعوذة شيطانية.
كان أيمن طبيعيًا كما لو أنّ شيئًا لم يحدث، وهذا أراحني كثيرًا، ما زلتُ أتذكر بينما كنتُ بين اليقظة والنوم في منزله وحديثه مع والده، لم أتبين حديثهما تمامًا، لكنني سمعتُ بوضوح والده يوبخه بشأن غضبه وأنه سيزيد الأمر سوءًا وعليه بالهدوء.
قال أيضًا أنه يجب ألا نتحرك إلا ونحن نعرف أين نضع أقدامنا.
يامن محظوظ بوالده، وأنا الآن محظوظ مثله.
كنتُ ألملم الأوراق المتناثرة هنا وهناك بما أننا انتهينا لليوم ويامن ينتظر والده ليقلّه ويُحضر جوالي أيضًا من منزلهم بعدما نسيته هناك، منزله بعيد قليلًا عني، خيار المشي لا بأس به، لكننا في الصيف.
-هل قررت في أي مسار ستتخصص؟
سألني يامن فجأة، فالتفت إليه مستفهمًا:
-سأدخل المسار العام غالبًا، هل حددوا موعد إدخال الرغبات؟
-يقولون إنه بعد أسبوع.
-وماذا ستدخل أنت؟
ابتسم ابتسامة فخورة بحلمه الذي يطمح إليه، يا لها من ابتسامة تجعلك تشعر بالحياة:
-سأدخل المسار الشرعي.
قلتُ باستغراب شديد:
-لمَ الشرعي بالتحديد؟
بابتسامته الواسعة أكمل:
-أريد أن أصبح محاميًا.
توقفتُ للحظة أتأمل فيه وفي ابتسامته، يامن هذا الذي اقتحم حياتي على حين غرة حتى أرخيت دفاعي ضده، فانتهى به الأمر لمعرفة سرّي، ثم ردة فعله الحارة تجاه الظلم الذي يراه حتى أنه ظل غاضبًا ليومين أو أكثر، إنه حقًا يمتلك حسًا عاليًا بالعدالة.
قلت بصوت مُستشرف واثق:
-إنّ المحاماة تُناسبك حقًا.
ابتسم لي باستغراب .. باستغراب لكلماتي المشجعة بالطبع فقد كان يتوقع كلامًا ساخرًا مني كالعادة .. لكنني لم أكن لأسخر من طموح أبدًا.
-وأنت يا جهاد، ما التخصص الذي تنوي عليه في الجامعة؟
امتعض وجهي قليلًا بحيرة، وقلتُ:
-أنا كالأغلب، لا أعرف ما أريد بالضبط.
بل أعرف، أنا أكذب هذه الكذبة الاحترافية الآن وإلى الأبد.
