أربعة

544 56 22
                                    

أقف خارج المنزل منتظرًا يامن ليتعرف على منزلي فورَ رؤيتي ولأكون ملتزمًا بآداب الضيافة قليلًا، قليلًا فقط، هو يستحق نوعًا ما ألا أكون فظًا معه، أليس شخصًا طيبًا؟

رأيتُ سيارة سوداء كبيرة عند المنعطف القريب تسير نحو منزلي بسرعة هادئة، توقفتْ بالقرب مني وأنا أتتبعها بنظري حتى ترجل منها اثنان: يامن بحقيبة زرقاء على ظهره ورجل وقور، والده ربما؟
حاولت رسم ابتسامة مُرَحِبًا بهما، فقط سأسجن انفعالتي لساعتين، بعدها، فلتفعلي يا نفسي ما تريدين.

تقدما إليّ ومد الرجل يده مصافحًا إياي بابتسامة رزينة ومتفحصة:

-السلام عليكم بُني، أأنت جِهاد؟

-وعليكم السلام يا عم، نعم، تشرفني زيارتكم.

قلتُ هذا بأدب ثم فتحت الباب أدعوهما للدخول لصالة المنزل، منزلي صغير، صالة وغرفتين ومطبخ وفناء صغير وفقط، لا مجالس كثيرة ولا غرف زائدة.

جلسا على أريكتين منفصلتين وأنا جلست على الأريكة الرمادية بجانب القهوة والشاي اللذان أعددتهما مُسبقًا، مازال لدي حس ضيافة.

سكبتُ لهما القهوة وعبق الهيل والزعفران ينتشر في الهواء، فتحتُ مغلف الشكولاة الفاخرة الذي اشتريته عصرًا، وكل هذا مع تبادل الحديث والسؤال عن الأخبار:

-كيف تبلي في دراستك؟ أيامن جيد في التدريس؟

-الحمدلله كل شيء بخير عم مُراد، ممتنٌ ليامن على شرحه، لقد ساعدني كثيرًا.

ويامن لسبب ما صامتٌ يتأمل فيّ منذ دخل ويأكل قطعة الشكولاة بهدوء.
نهض والده بعد أن أنهى فناجنه، قال وهو يربّتُ على رأس ابنه:

-حسنًا إذًا أترككما لتدرسا بجد، يامن سآتي لاصطحابك بعد ساعتين، وفقكما الله.

غادر المنزل وسمعنا صوت غلق الباب الخارجي ورائه وما زال يامن هادئًا على غير العادة، سألته مستنكرًا:

-ما بك؟

رفع رأسه ونظر إلي بسوداويتاه:

-أنت! هل أنتَ أنتَ؟ كيف لكَ أن تكون مهذبًا لهذه الدرجة؟!

نظرت إليه بسخرية ثم جلست على الأرض بجانب الطاولة مع كتابي وأقلامي والدفتر:

-أنا مهذب، ولكنك أنتَ من ترى الناس بعين طبعك.

-أنا أكثر إخواني أدبًا، أتشكك في ذلك؟!

رفعت يدي مبرئًا نفسي مع رفع حاجبيّ أستفزه أكثر:

-وسنبقى طوال الساعتين نقرر أأنتَ مؤدبٌ أم لا؟! هيا انزل من على الأريكة يا ولد واشرح لي الدرس!

أبي الغائبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن