## الفصل الأول: ضُبابُ الماضي

37 5 7
                                    

استيقظَ أرثُرُ على وخزٍ خفيفٍ في جَسَده، كأن إبرًا من نارٍ تَختَرِقُ جُلده. حاولَ تَحريكَ رَأسِه، لكن الألمَ اشتَدّ، فعادَ وأغمَضَ عَينَيه. ذاكِرَتُه كانت أشبَهَ بصَفحةٍ بيضاء، فارغةٍ تمامًا من أيّ ذكريات. من هو؟ ما اسمُه؟ ما الذي أتى به إلى هنا؟ كُلّ ما يعرفُه هو أنّه مستلِقٍ على سَطحٍ بارِدٍ، وأنّ الثلجَ يحيطُ به من كُلّ جانبٍ.

فجأةً، سمِعَ صَوتًا خشِنًا يقولُ: "هل ما زِلتَ حيًا أيّها اللّص؟".

فتحَ أرثُرُ عَينَيه بصُعوبةٍ، ليجِدَ رجلاً ذا لِحيةٍ كثِيفةٍ ووجهًا مجرُوحًا ينظُرُ إليه بِاحتِقار. كانَ الرجلُ يرتَدي درعًا صدِئًا ويحملُ سَيفًا كبيرًا.

"من أنت؟" سألَ أرثُرُ بصَوتٍ ضَعيفٍ.

"أنا أريك، طبيبُ فَرقةِ المُرتزقةِ السوداء"، أجابَه الرجل. "لقد وجدناك مَلقى على الجَليد، ينزِفُ حتّى أصبح الثلجُ أحمر. بالكادَ أوقَفتَ النّزيف."

حاولَ أرثُرُ الجُلوس، لكن أريكَ منعَهُ بِيدهِ.

"لا تتحرّك كثيرًا،" قالَ أريك. "جروحُك ما زالَت عميقةً."

نظَرَ أرثُرُ إلى جسدهِ، ليرى ضِماداتٍ ممزّقةٍ ملفوفةً حولَ صدرِهِ وذِراعَيهِ. شعَر بألمٍ حارِقٍ في كُلّ مكانٍ.

"ماذا حَدَثَ لي؟" سألَ أرثُرُ.

"لا أعرف،" أجابَهُ أريك. "لقد وجدناك في وسَطِ عاصِفةٍ ثلجِية، فاقِدًا للوعي. بجانبِكَ كانَ سَيفًا غريبًا، ولهذا اعتقدنا أنك لَصّ."

نظَرَ أرثُرُ إلى السَيفِ الذي كانَ ملقى على الأرضِ بِجانبِهِ. كانَ سَيفًا طويلًا ذا مقبضٍ أسود، وله نصلٌ أرجوانيٌّ غامِق. شعَر بجاذِبيةٍ غريبةٍ تجاهَ السَيفِ، وكأنّ هُناكَ رابطةً خفيّةً تربُطُهُ به.

"هذا السَيفُ ليسَ ملكي،" قالَ أرثُرُ. "لا أتذكرُ أيّ شيءٍ عن نفسي."

نظَرَ أريكَ إلى أرثُر بشُك. "هل تتوقّعُ مني أن أصدُقَك؟" سُخِر.

"أقولُ لك الحقيقةَ،" قالَ أرثُرُ. "لا أتذكرُ أيّ شيءٍ."

تنهّدَ أريك. "حسنًا،" قالَ. "سأصدُقُك في الوقتِ الحاليّ. لكنّ سأراقِبُك عن كثب. إذا حاولتَ أي حماقةٍ، فسأرميك في أقربِ سوقٍ للعبيد."

في الأيّامِ الثلاثةِ التاليةِ، ظَلَّ أرثُرُ يتعافى في مَخِيمِ فَرقةِ المُرتزقةِ السوداء. لم يتذكّر أيّ شيءٍ عن ماضِيه، لكنهُ تَعلَّمَ بعضَ الأشياءِ عن نفسِهِ من أريكِ والمُرتزقةِ الآخرين.

كانَ أرثُرُ طويلَ القامَةِ، ذو شعرٍ أبيضِطَوِيلٌ وَعُيُونٌ زَرْقَاءُ. كَانَ قَوِيًّا وَرَشِيقًا، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَدَرَّبْ عَلَى الْقِتَالِ مِنْ قَبْلُ. كَانَ السَّيْفُ الأَرْجُوَانِيُّ الْغَامِضُ بِجَانِبِهِ دَائِمًا، وَكَانَ يَشْعُرُ بِرَابِطَةٍ غَامِضَةٍ بِهِ.

فِي أَحَدِ الأَيَّامِ، بَعْدَ أَنْ تَأَكَّدَ أَرِيكُ مِنْ شِفَاءِ أَرْثُرَ تَمَامًا، نَادَاهُ الْقَائِدُ. كَانَ الْقَائِدُ رَجُلًا ضَخْمًا ذَا نَدْبَةٍ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَهُ صَوْتٌ قَوِيٌّ مِثْلَ الرَّعْدِ.

"أَرْثُرُ"، قَالَ الْقَائِدُ. "لَقَدْ سَمِعْتُ عَنْ قِصَّتِكَ مِنْ أَرِيكَ. تَقُولُ إِنَّكَ لا تَتَذَكَّرُ أَيَّ شَيْءٍ عَنْ مَاضِيكَ."

أَوْمَأَ أَرْثُرُ بِرَأْسِهِ. "هَذَا صَحِيحٌ."

"حَسَنًا"، قَالَ الْقَائِدُ. "سَأُعْطِيكَ فُرْصَةً. إِذَا نَجَحْتَ فِي اِخْتِبَارِي، فَسَأُجَنِّدُكَ فِي فِرْقَةِ الْمُرْتَزِقَةِ السَّوْدَاءِ. لَكِنْ إِذَا فَشِلْتَ، فَسَأَبِيعُكَ فِي سُوقِ الْعَبِيدِ."

نَظَرَ أَرْثُرُ إِلَى الْقَائِدِ بِتَحَدٍّ. "أَنَا مُسْتَعِدٌّ."

اِبْتَسَمَ الْقَائِدُ اِبْتِسَامَةً شِرِّيرَةً. "جَيِّدٌ"، قَالَ. "اِخْتِبَارُكَ بَسِيطٌ. عَلَيْكَ أَنْ تَهْزِمَ ثَلاثَةً مِنْ أَفْضَلِ مُقَاتِلِيَّ فِي مُبَارَزَةٍ وَاحِدَةٍ. إِذَا نَجَحْتَ، فَأَنْتَ وَاحِدٌ مِنَّا. لَكِنْ إِذَا فَشِلْتَ، فَمَصِيرُكَ مَعْرُوفٌ."

لَمْ يَكُنْ لَدَى أَرْثُرَ أَيُّ خِبْرَةٍ فِي الْقِتَالِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَخَفْ. كَانَ لَدَيْهِ إِحْسَاسٌ غَامِضٌ بِأَنَّ السَّيْفَ الأَرْجُوَانِيَّ سَيُسَاعِدُهُ فِي النَّصْرِ.

وَهَكَذَا، بَدَأَتْ الْمُبَارَزَةُ. وَقَفَ

                                 " يتبع"

الفارس المنسي: صعود المرتزقة من النسيان إلى السلطة ( تحت التعديل ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن