3-28

0 0 0
                                    

لاختيار الخامس وهو أمر يقاتل من أجله بعض المسلمين، ولكن ليس بالأمر المنتشر، فبعض المسلمين يقاتل فقط من أجل إعادة اللاجئين إلى أرض فلسطين. فأقول: إن هذا هو ما تريده إسرائيل تماماً، أن تجعل القضية قضية لاجئين، وهنا تتدخل إسرائيل وتعرض حلولاً بتعويض اللاجئين مالاً وإسكانهم في مكان خارج فلسطين، يعني مثلاً: في الأردن أو في لبنان أو في مصر أو في ليبيا أو في أي مكان، وقد عرض بالفعل هذا من قبل، وليس هذا بجديد.

كان موشى ديان يتعجب قائلاً: يريدون إعادة اللاجئين إلى إسرائيل وهي تبلغ من المساحة 28 ألف كيلو متر مربع فقط -يقصد بذلك مساحة كل فلسطين- وعندهم من الأرض ما تبلغ مساحته أكثر من 14 مليون كيلو متر مربع. إشارة إلى مساحة الدول العربية المحيطة، وهو بذلك يريد أن يضيع القضية، ويشير إلى أن القضية ليست قضية أرض، إنما القضية قضية أناس لا يجدون مكاناً يسكنون فيه، فنحن سنسكنهم في أماكن أفضل من الأماكن التي سكنوا فيها من قبل، فتجد أنه بسهولة شديدة جداً يستطيع الفلسطينيون أن يهاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويحصلوا هناك على الجنسية الأمريكية، فيعيشون هناك في أمريكا ويتركوا أرض فلسطين.

إذاً: هناك طرح إسرائيلي بعرض مال أو بدل أو تعويض للاجئين على أن يتركوا أرض فلسطين. 

البديل الآخر: أن يعودوا إلى فلسطين تحت الحكم اليهودي، وبذلك يصبحون مثل عرب إسرائيل الآن، وهم مجموعة من العرب مضطهدة تحت حكم اليهود، يعاملون بعنصرية واضحة وسيطرة كاملة، ولو سمح لهم برفع صوت فلن يكون إلا من خلال الأحزاب اليهودية الليكود أو العمل، ولو زاد الصوت عن حده لابد أن يكون العقاب إما قطع اللسان أو قطع العنق. 

 هذا بلا شك تضييع كبير جداً لمفهوم القضية الصحيح، وهو أن يعود اللاجئون إلى الأرض حاكمين وليسوا محكومين بالحكم اليهودي، فلا يعيشون تحت وطأة اليهود هناك فيما يسمى بإسرائيل. 

 إذاً: هذا الطرح غير مقبول بالمرة، ومع ذلك يردده بعض الناس، لكن لا نقبله لا شرعاً ولا عقلاً. 

الاختيار السادس والأخير: هل نحرر فلسطين لوقف نزيف الدماء؟ 

 كثير من المسلمين يتحرك لحل قضية فلسطين بنية وقف نزيف الدماء، وهذا ولا شك هدف نبيل وعظيم وكريم، وقد تحدثنا من قبل عن حرمة دماء المسلمين، وأنها أغلى من الأقصى الشريف، ولكن ما الثمن الذي سيدفع لإنقاذ الدماء الطاهرة والأرواح الزكية؟ 

 قبل الإجابة عن هذا السؤال، أسأل سؤالاً آخر: ما هي الأهداف التي من أجلها شرعت القوانين في الإسلام؟ 

وضعت الشريعة الإسلامية لحفظ خمسة أمور مرتبة بحسب الأهمية: الدين.. النفس.. النسل.. المال.. العقل. 

 فأول هذه الأشياء الدين، ويبذل كل شيء للحفاظ على الدين، حتى النفس تبذل للحفاظ على الدين؛ ولذلك شرع الله الجهاد في سبيله، وحض الإسلام على التضحية بالنفس والمال من أجل حفظ الدين نشره وتعليمه، ثم النفس مقدمة على النسل؛ لذلك إن كانت حياة الأم مهددة بالخطر يضحى بالنسل من أجل الحفاظ على النفس، والنفس أيضاً مقدمة على المال؛ لذلك يبذل المال كله للحفاظ على نفس المؤمن، كذلك النفس مقدمة على العقل، فإن كاد الرجل أن يهلك عطشاً جاز له أن يشرب خمراً مع أن هذا سيذهب عقله لكن النفس مقدمة. 

 إذاً: النفس مقدمة على كل هذه الأشياء، لكن ليست مقدمة على الدين، فلا يضحى بالدين من أجل النفس؛ لأن الدين هو المقصد الأول للشريعة. 

 وفي قضية فلسطين ذكرنا أن تحرير أرض فلسطين فرض عين على المسلمين، فرض عين على المسلمين، نعم؛ لأنها أرض فتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام، ثم احتلت من قبل اليهود؛ لتحكم بشرع غير شرع الإسلام، وبدين محرف وبقوانين علمانية وبتغييب للدين، وكون تحرير أرض فلسطين يأخذ هذا المنطلق يجعل هذا التحرير جزءاً من الدين. 

 إذاً: إضاعة أرض فلسطين هي إضاعة للدين ومن أجل حفظ أرض فلسطين -أي: حفظ الدين- يبذل كل شيء حتى النفس، بل من أجل حفظ أشبار من أرض فلسطين تبذل النفس، فالدفاع عما تملك جزء من الدين، ومع أن المال مؤخر عن النفس لا يكون ذلك إلا عندما تنفقه مختاراً، لكن إذا أخذ رجل مالك عنوة شرع لك الله أن تقاتل دون مالك وقد تبذل النفس؛ لأن احتلال المال أو سرقة المال أصبحت تضييع للدين. 

 روى الترمذي والإمام أحمد عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)، هذا للدفاع عن شيء تملكه، فما بالك بالدفاع عن أرض إسلامية محتلة؟

 هذا أمر ليس لك أن تتركه ولست مخيراً في ذلك، بل هذا قد فرض فرضاً عينياً على كل أهل فلسطين، وإن لم يقفوا فرض على أمة المسلمين جميعاً.نرجع للسؤال الأول: كثير من المسلمين يتحركون لإنقاذ دماء فلسطين ترى ما هو الثمن الذي سيدفع لإنقاذ هذه الدماء؟ إن كنت ستدفع مالاً لإنقاذه فهذا مقبول، وإن كنت ستدفع عقلاً وفكراً ومجهوداً لإنقاذه فهذا أيضاً مقبول، وإن كنت ستبذل نفسك من أجل نفسه فهذا مقبول وهو من باب الإيثار، لكن أن تبذل أرضاً ولو شبراً من أرض المسلمين لإنقاذ الأرواح فهذا ليس بمقبول؛ لأن بذل الأرض تضييع للدين، وبذل النفس حفظ للدين. 

 إذاً: لا يستقيم أبداً أن أحرك بسرعة مفاوضات السلام كما يقولون لإنقاذ أرواح الفلسطينيين الأبرياء في مقابل إعطاء 80% من أرض فلسطين لليهود، نعم يا إخوة! منتهى أحلام المفاوضين الفلسطينيين أن يحصلوا على 22% من أرض فلسطين، ويعترفون بعد ذلك لإسرائيل بـ78% من الأرض، وهذا في حال لو وافقت إسرائيل على ذلك، إذاً: نخرج بقاعدة من هذا الحوار وهي: يقدم الدين على كل شيء، ومن أجله يبذل الغالي والثمين وإن كان نفساً أو مالاً، غير أن لنا تعليقات أخرى على قضية دماء الفلسطينيين في الانتفاضة.



سلسلة فلسطينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن