حياة جديدة

1.7K 15 17
                                    

ملفات خاصة
ملف كرستين
البارت الرابع

### علمتني الحياة

علمتني الحياة أن القوي لا يبقى قويًا بالمطلق، ولا الضعيف يظل ضعيفًا أبد الدهر، ولا الكريم يظل كريمًا في كل الأحوال، ولا البخيل يبقى بخيلًا في جميع الظروف. الصفات ليست إلا انعكاسات للمواقف والظروف. أعتى الرجال قد يقفون أمام رؤسائهم في العمل كالطفل الوديع، كأنهم أسود تحولت إلى حمام وديع، وأغلب البشر يتهاوون أمام شهواتهم كأوراق شجر في مهب الريح. حتى الضعيف عندما يمتلك السلطة، يستمد قوته منها، كالأرنب الذي يرتدي جلد الأسد.

إلا آدم، فهو مختلف تمامًا. عندما تراه، تشعر وكأنه صخرة راسخة في بحر هائج، لا يتزعزع مهما تغيرت الظروف. أعتقد أنه حتى وإن تعرض للهزيمة، سيهزم واقفًا، كالشجرة التي تسقط واقفة بعد صمود طويل في وجه العواصف. آدم هو شخص لا ينتمي لشيء سوى نفسه، حتى الوطن بالنسبة له مجرد أرض يعيش عليها، ليست له جذور تغوص في تربتها. قد يراه البعض شخصًا بلا مبدأ أو مرجع أخلاقي، لكنه يستمد قوته من عدم الانتماء إلا لنفسه، كالنسر الذي يحلق وحيدًا في السماء، لا ينتمي إلى سرب، لكنه يملك القوة والحرية.

الغريب أننا جميعًا نبحث عن القوي لننتمي إليه، مثل الفراشات التي تجذبها النيران. بل قد نتفاخر بضعفنا أمامه، كالفلاح الذي يفاخر بأرضه الخصبة رغم أنها ليست ملكه. كلما زادت قوته، أصبح ضعفنا أمامه أكثر منطقية، وكأننا نعطيه قوة أكبر بضعفنا، مثلما يعكس القمر ضوء الشمس ويبدو مشعًا في السماء، رغم أنه لا يملك ضوءًا من نفسه.

آدم كان تجسيدًا لهذه القوة الغامضة، التي تفرض نفسها دون حاجة للشرح أو التبرير. قوته كانت كالعاصفة، لا تهتم بما تعصف به، بل تواصل مسيرتها بلا مبالاة. وعندما تقف أمامه، تشعر كأنك تقف أمام جبل، لا تهزه الرياح ولا تنقص من ارتفاعه الأيام.

في حضوره، تتلاشى الفروقات بين القوي والضعيف، وتصبح الصفات كلها نسبية. إنه يذكرني بتلك الأساطير القديمة عن الأبطال الذين لا يتغيرون مهما واجهوا من صعوبات. فهو ليس مجرد إنسان، بل فكرة، مبدأ يعيش ويتنفس، يتجسد في شخصه، فيصبح رمزًا للثبات والقوة في عالم متغير.

### في قبضة آدم

أخذني آدم إلى شقته، التي كانت تعلو فوق المدينة كعش نسر يراقب العالم من علٍ. في ذلك المبنى الشاهق، في الطابق الأخير، كانت شقته تتربع بفخامة. كانت واسعة، على عكس شقة أرنولد التي تشبه قفصًا ضيقًا. هنا، كانت هناك أربع غرف، وأثاث بسيط يجعل المكان يبدو وكأنه يمتد إلى الأفق بلا نهاية.

عندما دخلنا، ألقى نظرة سريعة عليّ وقال بلهجة حازمة:

- "اجلسي هنا".

كانت كلماته حادة كالسيف، قاطعة كالأمر العسكري، فتسللت إلى إحدى الأرائك وجلست. ثم دخل إلى إحدى الغرف، وعاد ممسكًا بقلم وبعض الأوراق، ووضعها أمامي كأنه يضع أمامي مرآة لأرى فيها كل تفاصيل حياتي.

الموسم الثالث21/ ملفات كرستينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن