بدون رحمه

1.7K 18 9
                                    

ملفات كرستين
البارت السادس
بدون رحمه

عندما عاد ماستر بعد أسبوع من السفر، شعرتُ وكأن الدهر كله قد مرّ. كانت فرحتي بعودته لا توصف، وكأنني طفلة صغيرة تنتظر عودة والدها بعد غياب طويل. نزلت مسرعة من غرفتي في القصر، وكأن قلبي يسبقني، وخفقاته كانت تضج في أذني.

عندما وصلت إليه، لم أتمالك نفسي. انحنيت وقبلت يده ثم قدمه بعاطفة جياشة، كنت بحاجة لأن أظهر له مدى اشتياقي وشوقي له.

"وحشتني جدا، سيدى..." نطقت الكلمات وكأنها زفرات حارة، نابعة من أعماق قلبي.

نظر إليّ بهدوء، وكأنما يقيس مدى صدق كلماتي، ثم رد بصوت خافت، لكنه مليء بالحنان، "شكراً... كرستين. أخبارك إيه؟"

تلعثمت للحظة قبل أن أجيب: "مش بخير سيدى في غيابك. كل لحظة كانت تمر كأنها عام، وكان الصمت في القصر يعذبني، حتى الجدران بدت لي وكأنها تبكي."

ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنه لم يقل شيئًا، ثم تكلم بهدوء، "هطلع ارتاح، وبالليل نتكلم."

أومأت برأسي وأنا أحاول كتمان مشاعري: "حاضر سيدى... أنا هنا في انتظارك."

كنت أتمنى لو استطعت أن أقول له كل ما في قلبي، أن أروي له عن الليالي الطويلة التي قضيتها أفكر في عودته، وعن الفراغ الذي شعرت به القصر في غيابه.

في الليل، جلس ماستر آدم في غرفة الجلوس الهادئة، وكانت الأضواء الخافتة تلقي بظلالها على وجهه، مما زاد من غموضه وجاذبيته. كنت أقف أمامه على ركبتي، أحمل في يدي فنجان القهوة وفي الأخرى طفاية السجائر. كان يأخذ بين الحين والآخر رشفة من القهوة، ثم يعيد الفنجان إلى مكانه، قبل أن يسحب نفسًا طويلًا من سيجارته، وكأن كل حركة منه تحمل معاني خفية لا أستطيع الوصول إليها.

ترددت قليلاً قبل أن أتحدث، ثم طلبت الإذن بصوت هادئ: "تسمحلي أتكلم، سيدي؟"

أومأ برأسه في إشارة للموافقة، فلم أستطع كبح الكلمات التي كانت تتدفق من أعماق قلبي: "اشتقت لحضرتك كتير جدًا... الأيام كانت بتمر ببطء وصعوبة. كنت كل لحظة بتخيلك، نفسي أعرف أخبار حضرتك، وإيه اللي مريت بيه في رحلتك."

نظر إليّ بنظرة تجمع بين التسلط والتعاطف، ثم قال ببرود: "قلتلك قبل ما أسافر إنها كانت عميلة إيطالية، عميلة طالبة سيشن، وسافرت عشان كده. السيشن تم بنجاح."

حاولت أن أتحسس تفاصيل أكثر، وكأنني أبحث عن شيء مفقود: "هي كانت جميلة؟"

رفع حاجبيه، وقد تجلت في عينيه تساؤلات عميقة: "بتسألي ليه؟"

تراجعت قليلاً وأنا أشعر بتضارب في مشاعري: "مفيش... بس كنت حابة أعرف."

ابتسم ابتسامة باهتة، وكأن الجواب يحمل في طياته درسًا: "أمّم... في شغلنا الجمال مش هو الأهم، ولا الأساس. المهم أننا ننجز مهمتنا... بدون مشاعر، فاهمة؟ بدون مشاعر."

الموسم الثالث21/ ملفات كرستينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن