ليما

30 3 2
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
• (كم نحن في أشد الاحتياج لإراحة عقولنا وقلوبنا من مشقة التفكير في الغد)

نسمات الهواء في الصحراء تلفح وجهه الواقفين بها، ظلامٌ دامس يغمر الأرض فلم تشرق الشمس بعد، سكينة غريبة بالمكان جعلت الواقف بها يتأمل السماء ويتعجب كيف هي بهذا الجمال، يراها دون أخر، يغرق بها دون وعي، سبحان الخالق الوهاب الذي أبدع في صنعه وجعلنا نرى ما أبدع.
بعيدًا بالقرب من الطريق الصحراوي، وقف اثنان أحدهم يحمل ملامح متهجمة، في حين الأخر لا تمر دقيقة سوى وهو يرفع نظارته بتوتر شديد، أتت سيارة من بعيد في سرعة غريبة ثم توقفت فجأة أمامهم لينتشر الغبار بكل مكان، اغمض الفتيان عينهما ثم قال أحدهم ذو ملامح متهجمة بصوتٍ غاضب:
_ ما تخلي بالك يا عم!
هبط رجلٌ ذو حِلة راقية، يظهر عليه الثراء، يتطلع لهما في غرور قائلًا:
_ أنا مش جايبكم عشان تتكلم بشكل دا.. خلي بالك على كلامك يا فهيم عشان متزعلش مني.
صمت فهيم على مضض، في حين اكمل ذاك المجهول بنبرة جادة تحمل حقدًا مدفون بأعماقه، يمد يده نحوه بصورة صغيرة:
_ الصورة دي فيها بنت اللي المطلوب منك تخطفوها بكرة من قدام الجامعة.. مش هحتاج منكم اكتر من أنها تفضل عندكم اسبوع وبعدها هستلمها منكم في المعاد والمكان اللي هحدده.
التقط فهيم منه الصورة، يتطلع لها في ضيق، في حين أسترسل الأخر حديثه:
_ والفلوس اللي هتاخدوها هتكفي العملية بتاعت ابوكم وزيادة كمان عشان تتفسحوا.. بس لو قررتم عكس كده يبقى هتقرأوا الفاتحة بدري عليه.
ألقى حديثه بنبرة تهديد صغيرة، ثم غادر المكان كالزيبق، في حين نظر فطين شقيق فهيم بتوتر شديد، يتمتم بنبرة تحمل الخوف:
_ يارتنا ما وافقنا يارتنا ما روحنا من الأول.
:_ اخرس بقى.
زمجر فهيم بها، ليصمت فطين سريعًا واضعًا يده على فمه يحرك نفسه في توتر شديد، في حين اكمل فهيم بصوتٍ مختنق:
_ أنت شايفني فرحان بالخطف دا..  بعد ما كنت موظف محترم.. دلوقتي بقيت بخطط إزاي اخطف واحدة ملهاش ذنب عشان أعمل العملية لأبوك.
ازاح فطين يده يتطلع نحوه في حزنٍ، تمتم بنبرة حزينة:
_ طب هنعمل ايه دلوقتي؟
تنهد فهيم في ضيق، ثم أردف بتعبٍ:
_ هنروح عشان نخطط للموضوع... الحمدلله أن ابوك قاعد مع عمتك اليومين دول لحد ما نخلص من العملية دي.
حرك فطين رأسه في ايجابيةٍ ثم غادرا المكان وهم يحملان لآلام مما سيفعله، فما كان منهما سوا أن اجعلان دائما احتياجهم فقط لله تعالى وليس للبشر.

***
صباحًا...
:_ بلاش يا فيهم أنا خايف من الموضوع دا!
قالها فطين مرتديًا قبعة تخفي جزء من معالم وجهه، في حين احتدت عين فيهم بشدة يغمغم في حدة:
_ ولا لِم الدور عشان متغباش عليك.. أنت هتخيب هنا.. خلينا نمشي ونخلص.. أنا هروح أعمل اني بعرض عليها منتجات ريحة وهتمسكن وأنت لما تقع تعمل إنك جارها في السكن وهتتصل بأبوها عشان يجي وأنت هتوصلها لحد هناك بالاتوبيس  وتخدها في الاتوبيس بتاع الناس عادي عشان محدش يشك فيك وتنزل في المحطة عادي.
انطلق فهيم بالفعل نحو الجامعة يمثل بيع زجاجات العطر.. حتى رأى تلك الفتاة المطلوب بالفعل اختطفاها.. انطلق نحوها ببسمة بريئة قائلًا:
_ تشمي مني يا آنسة!
ترجعت الفتاة ببعض التوتر، في حين شعر فيهم بعدم رغبتها في الشراء ليسرع بالحديث قائلًا في استعطاف:
_ أنا فاضلي مبلغ صغير واشتري الكتب بتاعتي عشان ادرس... ساعديني واشتري مني يا آنسة ربنا يسترها عليكي.
شعرت بالشفقة عليه، فقد استطاع اتقان الدور بمهارةٍ عالية، قومت بفتح حقيبتها سريعًا واخرج مبلغًا من المال، تعطيه إياه أخذه فيهم ومد يده بزجاجة العطر ولكن اوقفته الفتاة قائلة متبسمة:
_ لا مش عايزة شكرًا.
حرك فهيم رأسه بنفيٍ قاطع يحدثها في اصرار:
_ لا يا آنسة لزمًا تاخديها.. يا اتفضلي الفلوس متحسسنيش إني شحات بجد.
شهقت الفتاة سريعًا وسرعان ما اخذت الزجاجة قائلة بنبرة سريعة لعلها تصلح ما افسدتها:
_ خلاص والله.. طب دا أنا هشمها كمان واقولك رأي فيها.
ابتسم فهيم بانتصار،  في حين فتحت الفتاة الزجاجة وقامت بشمها لتحرك رأسها في ايجابية نحوه قائلة ببسمة صغيرة:
_ ريحتها جميلة شكرًا لحضرتك..  عن إذنك.
تحركت قليلًا بعيدًا عنه، في حين تقدم فطين يسير بالقرب من طريقها، ولكن تعجب كلًا منهما من استمرار الفتاة في الوقوف وعدم تأثرها بشيء، فتح فهيم حقيبته ونظر بها ليجد أنه اعطاها الزجاجة الصحيحة، فحك رأسه قائلًا بنبرة مندهشة:
_ هي واخدة حاجة ضد المخدر ولا ايه..
ثم أكمل بنبرة غاضبة:
_  يابن الك* يا شاهين بتديني مخدر مضروب؟!
انهى تلك الجملة وسرعان ما رأها فقدت وعيها، زفر في ارتياح متمتمًا:
_ الحمدلله.. أنا قولت دا مضروب!
وبالجانب الأخر أسرع فطين نحوها يتمتم من بين الناس بصوتٍ متوتر:
_ وسعوا بعد اذنكوا... أنا جارها في المنطقة بتاعتها.. عدوني.
اوسع له الناس قليلًا، ليراها ملقى على الأرض فاقدة وعيها، فهتف بنبرة ازدادت توتر ما أن رأى الاتوبيس المطلوب ركوبه يقف:
_ طب..طب بصوا خلي بنتين يشيلوها لأنها محجبة ومينفعش اشيلها.. يركبوها الاتوبيس دا وأنا هرن على والدها ياخدها في المحطة.
شعر الناس بمدى صدق فطين، وخاصة ملامحه الطيبة التي لا تنذر بالشر أبدًا، وبالفعل قامت بعض الفتيات بحملها ووضعها بالاتوبيس باحد المقاعد، في حين صعد فطين جوارها بالمقعد يحتفظ بالمسافة بينهما، رفع يده نحو الفتيات قائلًا:
_ ألف شكر ليكم والله.
تحرك الأتوبيس في هدوء، في حين شرد فطين بما يحدث، ينظر جواره لتلك الفتاة الغارقة باللاوعي، الآن أصبح خاطف ما ذنب والدها في أن يعيش حالة من الرعب بسببهما، هم يريدون المال كي يعدون لبلدتهم وعلاج والدهما، ولكن هل ما يفعله يصح!، فاق من شروده على صوتها تتململ جواره، توتر بشدة لأنها لو عملت شيئًا سيضرب من كم هؤلاء الناس الموجودين بالأتوبيس، نظر نحو حقيبتها صم اشرع بفتحها ليجد البطاقة الخاصة بها  ،  تطلع بها ليعلم اسمها الحقيقي وهو ( ميسون) ووالدها يدعى (مرزوق)، وتسكن بالقرب من الشروق، اغلق حقيبتها وجلس بهدوءٍ، يحاول السيطرة على هذا التوتر، ولكن لم يتسطع ليتصل على شقيقه سريعًا وما ان اجاب حتى هتف فطين في توتر:
_ الحقني يا فهيم البت بدأت تفوق.
:_ ولا لو ظهرت حاجة قدامها أو قدام الناس اللي حوليك هتاكل علقة مش هتقوم منها.. وهضطر اجري على فلوس عملية ليك ولأبوك.
زمجر بها فهيم، في حين اخفض فطين ضوته يتحدث ببعض برعبٍ:
_ طب.. ط اعمل ايه؟!
زفر فهيم في ضيق، يغمغم بنبرة مغتاظة:
_ دي كانت عايزة شومة تنزل على دماغها.. المخدر المفروض تشمه بعد خمس دقايق يغمى عليها.. البت قاعدت ربع ساعة لحد ما ربنا اكرمها واغمي عليه... بص لو صحيت كمل إنك تعرفها وانك جارها جديد في المنطقة وان باباها مستنيها في المحطة عادي لأنه قريب من المنطقة دي.
حرك فطين رأسه في ايجابية  يتحدث برفق:
_ حاضر.
أغلق مع شقيقه، وبالفعل استيقظت الفتاة تنظر حولها في تعب شديد، تحاول الاستيعاب ولكن لا يزال أثر هذا المخدر به، اردف فطين ببعض التوتر بدا ظاهرًا عليه وهو يرفع نظراته اثناء الحديث:
_ ازيك يا آنسة ميسون.. أنا فطين جاركم في المنطقة وكنت بالجامعة بخلص ورق ليا ولقيتك اغمى عليكي وقولتلهم أنا هروحك.. ووالدك قالي نركب الاتوبيس دا عشان انزلك المحطة وياخدك معاه.
نظرت له ميسون في ارهاق ثم حركت في ايجابية وأغلقت حدقتيها لحين أن تصل إلى المحطة المطلوبة.
***
:_ آنسة ميسون وصلنا المحطة... يا آنسة فوقي!
قالها فطين محاولًا ايقاظها، في حين تململت ميسون على المقعد وهي لا تزال تغفو، تعجب فطين منها ونظر بالساعة ليجد قد مر ساعتين على المخدر وأن مفعولة قد زال اخيرًا، لِمَ حتى تلك اللحظة لاتزال نائمة؟!، عاد ينادي مرة أخرى في هدوء:
_ يا آنسة قومي بقى.. دا أنتِ نومك اتقل من فهيم اخويا.
:_ ايه يا جدع مش عارفة اتخمد!
قالتها ميسون مستيقظة في ضيق، في حين رفع فطين حاجبيه في صدمة، يتمتم:
_ تتخمدي ايه حضرتك دا مش فندق ابوكي عشان تنامي فيه.. هننزل المحطة عشان نقابل ولدك.
نهضت ميسون في ضيق، في حين تقدم فطين خلفها وهو يحرك رأسه في يأس منها، يتمتم بسره:
_ وأنا اللي خايف من إنك تفضحينا.
سار فطين وهي خلفه حتى أتى فهيم من خلفها يرفع سكينًا بظهرها دون أن يراه احد قائلًا في همس:
_ لو صرختي هغرسها فيكي.. كملي معانا الطريق لأخره.
ارتعبت ميسون بشدة، وحركت رأسها في ايجابية قائلة بنبرة ملتاعة:
_ حضرتك أنا اتفه من كده بكتير... ليه سكينة بس!
ضغط بخفة عليها بالسكين، لترتجف بقوة تسير معهما في هدوء دون اصدار كلمة واحدة، حتى صعدا عمارة صغيرة، وصل جميعيهم للشقة ثم دفع بها فهيم للداخل قائلًا بنفذ صبر:
_ اخلصي هو متحف هتتفرجي عليه!
تأوهت ميسون من دفعه حتى سقطت ارضًا قائلة بغضب:
_ جرا ايه يا جدع أنت يعني خطفني وكمان مش عايزني اتفرج على المكان اللي خطفني فيه... دي مش اخلاق خاطفين على فكرة!
:_ مش ايه ياختي.. مش اخلاق خاطفين... لا معلش نقول ايه حظك وقعتي مع منحلين بقى.
قالها بتهكم منها، في حين حركت ميسون رأسها في سخط منه بحركاتٍ طفولية غاضبة، اسرع فطين بتدخل قائلًا بنبرة هادئة:
_ تعالي معايا عشان هتقعدي في اوضة!
حركت رأسها في ايجابية، تنهض من على الأرض في هدوء أثار تعجب كلًا من فطين وفهيم، ولكن لم يعلق أحدهما وبالفعل دلفت ميسون للغرفة ثم جلست بها دون أن تتفوه بحرفٍ واحد.
***
:_ هي البت دي ساكتة كده ليه؟!
قالها فهيم بتوتر، في حين حرك فطين رأسه بالنفي مرددًا بنبرة ملتاعة:
_ لتكون مدبرة لينا مغرز.. ما تيجي يا فهيم نسبها ون....
قاطعه فهيم في حدة قائلًا بنبرة غاضبة:
_ بقولك ايه مش بعد التخطيط دا كله وتقولي كده.. خليها بقى ولو حصل حاجة يبقى دا نصيبنا.
تنهد فطين في تعب ثم عاد للكتاب الذي بيده، في حين بقى فهيم شاردًا بما سوف يفعله بالايام القادمة.

مرت بضع ساعات حتى اصبحت العاشرة مساءًا، ليسمع كلًا من فطين وفهيم صوت ميسون تصيح:
_ انتوا ياللي هنا... انتم خاطفين جمل.. جعانة وعطشانة!
مسح فهيم على وجهه في غضب، ثم نهض من مكانه يتمتم في نفذ صبر:
_ روح يا فطين هتلها سندوتشات أو أي حاجة تطفحها خلينا نخلص من زنها.
حرك فطين رأسه في ايجابية، ونهض سريعًا يتوجه نحو الخارج، في حين قامت ميسون بالطرق على الباب في حدة تصيح مرة اخرى بصوتٍ أعلى، نهض فهيم مقررًا تهديدها قليلًا، وبالفعل فتح باب الغرفة ليجدها تجلس على الفراش، تمتم بنبرة غاضبة:
_ أنتِ فاكرة نفسك في فندق... متخلنيش اعملها معاكي واوريكي حاجة مشوفتهاش قبل كده.
ظن بالبداية إنها ستخشى منه، وأن تتوتر من أن يقترب بها، ولكن وجدها تصيح في حنق:
_ لا معلش يا حيلتها وأنت هتعمل ايه اكتر من كده خاطفني ومقعدني من غير أكل لا وكمان بجح وعايز تتعصب عليا... اخلاق الخاطفين بقت منحطة أوي.
حدق بها لعدة ثوانٍ يحاول استيعاب ما تتفوه، من أين وقع بتلك الفتاة؟، حرك رأسه بعدم تصديق ثم غادر الغرفة قبل يفقد صوابه، بقيت ميسون تصيح بالغرفة في غضبٍ تغمغم:
_ يعني ايه اقعد من غير أكل... والله لأقول لبابا على اللي بتعمله يا استاذ يا محترم... بقى دي اخرتها ميسون مرزوق تقعد من العصر للعشا من غير أكل... دي وصمة عار في حقي ومش هسكت عنها...
صمت فجأة ما أن اقتحم فهيم الغرفة ولكن وجهه لا ينذر بالخير، يهدر بصوتٍ حاد:
_ أنتِ يا بت عندك خال أهبل ولا ايه نظامك... ايه هو اللي هتقولي لأبوكِ.. داتك بو لما يلهفك ويخلصني منك.
:_ يلهفك أنت الأول.
قالتها بعندٍ، في حين تقدم منها فهيم يريد أن يدهس رأسها لتصمت قليلًا ولا تعانده، ولكن أتي فطين قائلًا بدهشة من رفع فهيم يده بوجه ميسون:
_ هو في ايه بيحصل هنا!
:_ الحقني الجدع دا خطفني وعايز يضربني كمان... شوفت قلة الذوق!
رمش فهيم بحدقتيه عدة مرات، ثم عض على شفتيه في غضب يتمتم بنبرة مكتومة:
_ على اساس أنا اللي خاطفك وهو لاء!
اشاحت ميسون بوجهها بعيدًا، في حين استدار فهيم تاركًا اياها يردف لفطين بصوتٍ حاد:
_ طفح ست ينسون وخلصني منها.
:_ أنت يا أخ اسمي ميسون مش ينسون!
قالتها وهي تسير خلفه في ضجر من افعاله، في حين التفت لها فهيم بأعين تطق بالشرار، ارتدت على أثارها ميسون إلى الخلف، فهمس فهيم بصوتٍ فحيح:
_ لو مسكتيش يا ينسونة أنتِ لهروح احطك في ماية مغلية واسلقك فيها.. فاهمة!
حركت رأسها في ايجابية عدة مرات متتالية، في حين تحرك فهيم من الغرفة في غضب جامح وكأنه يريد بركان ثائر على وشك الانفجار، في حين بقت أعين فطين وميسون متلعقة بالباب الذي خرج منه، يتمتم فطين وهو يرفع نظراته:
_ أول مرة اشوف فهيم متعصب كده.
استدار فطين يمد يده بالطعام نحو ميسون، في حين وكاد أن يغادر ولكن اردفت ميسون في ضيق:
_ أنا هاكل لوحدي.. ياعم اقعد هناك وكل معايا.
صمت فطين قليلًا، في حين أمسكت ميسون بالشطيرة وقسمته نصفين قائلة ببسمة:
_ خد أنا نص وأنت نص.. واخوك ملهوش اي انصاص عشان يحرم يزعق ليا تاني.
ضحك فطين على حديثها وجلس على المقعد بنهاية الغرفة، في حين بقت ميسون تلتهم الشطيرة بلذة غريبة، ولكن لم ترغب بالبقاء في تلك الغيمة الصامتة، لتردف والطعام بفمها:
_ أنتم بقى اللي خلاكم تخطفوا... شكلك بيقول واحد محترم وابن ناس؟
حرك فطين رأسه في ايجابية، يبتلع تلك اللقمة الصغيرة الموجودة بفمه، يجيبها بتوتر:
_ آه والله دي أول مرة أصلا.
أصار فضولها أكثر لتكمل متسائلة:
_ ايوة طب خطفتوني انا بذات ليه؟!
نظر فطين يمينًا ويسارًا، ثم اجابها في همس:
_ أصل ابويا محتاج عملية بمبلغ كبير... والمدير طلبنا منه سُلفة مرضيش فقولنا خلاص بقى بس هو قالنا لو عايزين المبلغ كامل خلال اسبوع تقبلوني بليل وفعلا قبلناه وقالنا نخطفك ونخليكي اسبوع معانا ونرجعك تاني.
حركت ميسون رأسها بفهم، ثم تمتمت بنبرة فرحة:
_ هقولك بقى ال...
قاطع حديثها دخول فهيم في همجية يتمتم:
_ أنت ايه اللي مقعدك معها؟!
تطلعه فطين بنظرة توتر، ثم نهض من مكانه، في حين نهضت ميسون وهي تصيح به:
_ أنت ايه يا جدع أنت.. الذوق معدش من قدام باب بيتكم...
توقفت عن الحديث وهي تنظر لفطين قائلة ببسمة هادئة:
_ طبعا الكلام دا مش ليك أنت.
استرسلت حديثها في تعنف:
_ ياريت تبطل قلة الذوق دي وتخليك في حالك شوية.
:_ أنتِ يا بت هبلة؟ هو أنتِ مش مدركة إنك خير اللهم اجعله خير مخطوفة ولا فكرة الخطف معدتش عليكي قبل كده!
قالها فهيم بسخرية، في حين عقدت ميسون ذراعيها أمام صدرها تتمتم بنبرة مقتضبة:
_ اتخطفت قبل كده ومعملوش معايا كده.
:_ نعم! ات ايه ياختي؟!
تفوه بها فهيم في صدمة، في حين اكملت ميسون بنفس نبراتها المقتضبة:
_ ايوة اتخطفت وقعدت اسبوع واكله.. شاربة.. نايمة وروحت بيتي عادي.
حدق بها كلًا من فطين وفهيم في ذهول، ثم غادر فهيم الغرفة في صمت، في حين بقى فطين يحاول استيعاب حديثها، ما الذي تعنيه بأنها تم اختطفها من قبل وأخذ تلك الأوامر بأن تبقى اسبوع، حرك رأسه في عدم استيعاب، ثم عاد وجلس مكانه في حين جلست ميسون تربع قدميها متمتمة بصوتٍ متحمس وكأنها بنُزه:
_ هو اسمك معناه الذكاء يا فطين؟!
حرك رأسه في ايجابية يحدثها بنبرة هادئة:
_ ايوة.. الذكاء وسرعة الفهم.
ابتسمت في هدوء، في حين اكمل فطين في حماس وكأنه وجد من يتماشى مع افكاره وطريقته:
_ طب تعرفي ان اسم ميسون هو أصله اسم فارسي معناه ذات الوجه الأحمر، والعربية ليها معنى تاني وهو المتمايلة و الرزينة.
رفعت حاجبيها في تعجب قائلة بنبرة حرجة:
_ لا مكنتش اعرف معنى اسمي كده.
:_ وأنتِ هتعرفي منين ما أنتِ كل يوم والتاني مخطوفة.
قالها فهيم بسخطٍ عليها، بينما نفخت ميسون بضيقٍ تردد:
_ استغفر الله العظيم يارب
ابتسامة ساخر علت ثغره يغمغم في تهكم:
_ توبي عندنا.
:_ ياجدع أنت مالك بيا بقى... أقعد في حالي ينكشني... دي عيشة تزهق.
قالتها بضجرٍ منه، في حين كاد فهيم أن يفقد عقله من طريقتها فهي تتعامل بشكلٍ عادي ليست فتاة مخطوفة من قبل شابان، بينما وضع فطين يده على فمه يمنع ضحكته من الصدور على ملامح شقيقه المصدومة من ميسون بكل مرة يتحدث بها معها.
غادر فهيم وبعد وقت غادر فطين وتركا ميسون بغرفة، مر ثلاثة أيام على وجودها، ولكن كان كلاهما يفكر هل سيكملان الخطة وينتهي الأمر ويأخذن أموال كي يعالجا والدهما، أم سينتهي الأمر ويعيدان الفتاة لمنزلها؟ تردد قوي بات ظاهرًا عليهما كلما اقترب الوقت واشرف الاسبوع على الأنتهاء.
باليوم الرابع..
خرج فهيم كي يشتري بعض الأغراض في حين بقى فطين يجلس بالردهة لايزال عقله يفكر، لو كان عقله يتحدث لأخبره بأن يتوقف قليلًا عن التفكير فقد سأم التفكير، خرجت ميسون من غرفتها تتطلع نحو الأريكة التي يجلس عليها فطين، ثم تقدمت تجلس على مقعد بعيدًا عنه تتمتم في ملل:
_ أنا زهقت أوي وعايزة أروح.
شعر فطين بالشفقة عليها، ولكن كلما زادت الشفقة زاد جلد ذاته، وضميره الذي يصرخ من العذاب الخطأ الذي يفعلانه، أنزل فطين رأسه في خزى يتمتم بصوتٍ مبحوح:
_ أنا آسف على اللي بنعمله دا معاكِ.. مكناش هنعمل كده بس الظروف اجبرتني أنا وفهيم نعمل كده عشان ناخد الفلوس ونعمل العملية لبابا.. لأن مدير الشغل رفض يدينا سُلفة.. بعتذر ليكِ عن كل اللي حصل.
رمشت بعينيها في ذهول، وتعاطفت معه بشدة، صوته المتألم، رأسه التي تحمل الخزى مما يفعله، مسحت تلك الدمعة الهابطة من حدقتيها وهتفت:
_ ايه يا عم قلبتها دراما ليه؟ بص عندكوWi Fi  اهو ننزل فيلم نتفرج عليه.
:_ والله يا فندم الخدمة مش بتوفر طلباتك كلها اخرها الطفح بتاعك والشرب.
مسحت ميسون على وجهها بضيقٍ، ثم تمتمت بصوتٍ مغتاظ:
_  ياكابت اللذات والسعادات.
رمقه بنظرة نارية ثم حرك رأسه يوجه الحديث نحو شقيقه قائلًا:
_ يلا يا فطين هنرجعها بيتها تاني.
ابتسم فطين في سعادة، في حين تهلل سريرها وهي تصفق بيدها واخيرًا ستعود للمنزل، حرك فهيم رأسه بيأسٍ من الأثنان ثم اردف وهو يستدير:
_ يلا هنتحرك دلوقتي.
بالفعل تحرك الأثنان مع فهيم كي تعود ميسون للمنزل مرة أخرى وتنتهي تلك القصة البأسة التي لا تحمل سوى ضمير مُعذب، فكيف كان سيعالج والده بمالٍ محرم، وكيف سمح لذاته أن يجتمع مع فتاة ويتحدث معها ويتعدى حدوده بالحديث معها، الآن سينهى كل هذا ويعود ويتوب توبة نصوحة ويطلب العفو من الله عز وجل.
وصل أخيرًا للمنطقة التي تقطن بها ميسون فكانت فوق المتوسط تتسم المنطقة بالهدوء الشديد، هتف فهيم في هدوء واضعًا يده في جيب سرواله:
_ بيتك اهوه.. وكده عملنا اللي علينا.. سلام.
كاد أن يتحرك ولكن اوقفته ميسون قائلة:
_ شكرًا يا رجولة.
ابتسم في يأس يحرك رأسه، ثم كاد أن يغادر ولكن صوت طلقات النيران يعلو شيئًا فشيء حتى أصبحت تطلق عليهم، ركضت ميسون خلف فهيم وفطين الذان احتميا في العربة، ثم تمتم فطين بهلع:
_ هو في ايه.. أنتِ بلغتي البوليس؟!
:_ ما بلاش غباء ابلغه امتى اصلا؟ ثم ما على يدك الباقة خلصت واستلفت كتير والشركة النتنة مش عايزة تسلفني تاني وعشان كده مرنتش على حد.. دول أكيد العصابة اللي بابا حبسهم قبل كده.
قالتها ميسون في تفكير، في حين زمجر فهيم بغضبٍ قائلًا:
_ وهو أنتِ ابوكي عامل مشاكل مع طوب الأرض ليه أنا عايز افهم؟!
مطت شفتيها في عدم علم قائلة:
_ الله وأنا مالي.. روح اسأله هو.
مسح فهيم على وجهه بغضب جامح، يحاول أن يفكر بحلٍ لتلك المشكلة، فلم يجد سوى أن يفتح باب السيارة ويهربان بها، وبالفعل فتح فهيم الباب سريعًا، فكلما تأخر ازدادت ضربات النيران عليهم، قال فهيم لميسون بصوتٍ عالي:
_ بتعرفي تسوقي؟!
حركت رأسها بالنفي ثم بالايجابية، تجيب بصوتٍ متوتر:
_ أنا لاء.. كنت بتعلم نظري بس وبشوف بابا وهو بيسوق.
:_أنتِ اللي هتسوقي لأن لا أنا ولا فطين بنسوق.
قالها فهيم سريعًا، في حين جحظت عين ميسون بصدمة مما قاله ولكن صوت النيران الذي يزداد جعلها تتحرك بالفعل وتدلف للسيارة سريعًا، اشعلت المحرك وبدأت بالضغط على الدواسة البنزين ولكن لم تتحرك السيارة، في حين صرخ فهيم بها وهو يرى سيارة سوداء تقترب منهم:
_ أخلصي دول قر...
قاطع حديثه تحرك السيارة بشكلٍ عشوائي، تحاوب ميسون السيطرة عليها في حين يصطدم فطين وفهيم بالمقعد الموجود أمامهما، صرخ بها فهيم في عنف:
_ أنتِ هتموتينا قبل ما هما يوصلولنا..
صرخت ميسون به هي الأخر وهي تثبت يدها على عجلة القيادة:
_ اعمل ايه قولتلك أول مرة اسوق عملي.
لطم فطين على وجنتيه قائلًا بنبرة مرتعدة:
_ يالهوي.. يالهوي.. بتتعلم فينا.
انطلقت ميسون سريعًا بالسيارة، ولكن لم تعد تستطيع التحكم في سرعتها التي تزداد شيئًا فشيء، هتف فهيم بتعجب بعد أن لاحظ اختفاء السيارة:
_ أنتِ زودتي السرعة إزاي؟!
حركت ميسون رأسها في خوف قايلة:
_ مش عارفة.. مش عارفة.
:_ نعم مش عارفة... نهار ابوك مش فايت أنتِ ناوية تموتنا النهاردة ولا ايه!
قالها فهيم في ذعر، في حين أكمل فطين لطم خاصة عند دخولهم طريق مليء بالسيارات، اخذ فهيم نفسًا طويلًا ثم تحدث بهدوء قائلًا:
_ طب اهدي كده يا ينسون وافتكري دورس السواقة بتاعتك.
:_ أنت بتتكلم براحة كده ليه؟ أنت عايز تخطفني!
رددت بها في خوف،  في حين صرخ بها فهيم بغضبٍ:
_  أنتِ اللي خطفانا دلوقتي وهتقتلينا بغبائك.
حاولت ميسون أن تهدئ من سرعة السيارة ولكن لم تجد فائدة فهي تضغط على شيءٍ ما دون أن تعلم، بدأت تسير بتجاه عكسي للسيارات وتعالى صراخ كلًا من فهيم وفطين بالأريكة الخلفية للسيارة، في حين كانت ميسون تحرك عجلة القيادة يمينًا ويسارًا في قوة، حتى اصطدمت بتل صغير من الرمال وسقطت مغشيًا عليها مع فطين وفيهم الذيان وقف شعرهما من شدة الذعر.
***
ألم حاد ينتشر بجسدها بالكامل، تحاول فتح عينيها ولكن لم تجد فائدة، ولكنها استمعت لصوت ابيها يتمتم بنبرة قلقة:
_ ميسون حبيبتي حمدلله على السلامة.
تأوت ميسون بشدة ورفعت يدها نحو رأسها قائلة بنبرة خائفة:
_ بابا.. هو أنا موت ولا ايه؟!
صك والدها على اسنانة يتمتم بنبرة متهكمة:
_ هي الحادثة زودت العتاه اللي عندك!
فتحت ميسون عينيها في تعب، في حين نهض والدها يقف جوارها، لتتمتم ميسون بدهشة:
_ امال فين فطين وفهيم؟!
:_ فطين وفهيم مين؟!
قالها والدها في دهشة، في حين بقت ميسون تحاول استيعاب السبب الذي اتي بها لهنا، لتردف بتعجب:
_ أمال جيت هنا إزاي؟!
قطب والدها جبينه في تعجب، يجيبها:
_ كنت بتاخدي درس في السواقة والعربية اتخبطت منك في حادثة صغيرة وجيتي هنا.. والحمدلله راسك بس اللي اتخبطت.
نظرت نحو والدها قليلًا ثم تذكرت ما حدث، فهي بالفعل غادرت من الجامعة متأثرة بإحدى محاضرات الطب النفسي الخاصة بالأمراض النفسية، وعادت للمنزل كي تأخذ درس القيادة الأخير ولكن قادت بتهور وانتهى الأمر بحادث صغير.
تمت بحمد الله.
سُمي الاسكريبت بهذا الاسم «ليما» نسبة للمتلازمة تدعى ليما، وهي تعني تعاطف الخاطف مع الضحية بشدة وذلك لعدة أسباب منها منها حاطة الشخص للمال، أو شعوره بالاحتياج لشيءٍ ما تشبعه الضحية، ولكن يشعر بالندم بسبب ما فعله مع الضحية من أذى.

ودا الشرح الخاص بها:

(متلازمة ليما (بالإنجليزية: Lima syndrome)‏ هي النقيض لمتلازمة ستوكهولم، وفيها يتعاطف العدو أو الخاطف مع المعتدى عليه (الرهائن) بدافع الرحمة والتعاطف والشفقة.)
كذلك هناك العديد من الأسباب الأخرى منها:

ربما يكون الخاطف جزءًا من جماعة أجبرته على ارتكاب الاختطاف.
ربما لا يوافق الخاطف على الطريقة التي يتم بها الاختطاف.
ربما تم إجبار الخاطف على الاحتفاظ بالضحية بسبب الحاجة الماسة (الدراما العائلية، الوضع الاقتصادي الخطير، الاضطراب العقلي، إلى آخره.).
قد يفتقر الخاطف إلى مهنة جنائية ، أو أنه يفتقر إلى الخبرة أو يكون قادرًا على التعاطف مع الناس (لا يعاني من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع)
ربما يعتقد الخاطف أنه لن يكون على قيد الحياة من عملية الاختطاف.)

اسكربتات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن