الفصل الثالث
الحرمان قد يكون طريق العطاء، لأنه ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، وقد يكون المنع عين العطاء... محمد راتب النابلسي.
(مشاهد من الماضي.)
(القسم النفسي في المستشفى العام لمدينة الجبال.)
انتصب الرجل على مقعده ببدلته الأنيقة يكسوها معطف يوازيها أناقة، يناظر طبيب النفوس بمقلتين رغم ما يوهنهما من غورٍ لا ترتعد فيهما الحدة.
*الملاحظات؛ تدهور عضوي، تماسك ظاهري، لوم الذات.*
(كيف حال صحتك سيد غانم؟) هز رأسه وهو يلصق كفيه بأعلى ركبتيه، يجيبه ببسمة باردة (الحمد لله ...أفضل مما يجب أن تكون عليه من وجهة نظر الأطباء.) انتظر إسماعيل قليلا ثم باح له بملاحظة (ما تزال هنا، ظننتك ستيأس وتعود إلى المدينة السياحية.) تلكأ وكأنه يبحث عن رد لم يسعده (لم أجدها بعد، لكنني لا أستطيع فقدان الأمل فيها هي الأخرى.) حرك إسماعيل عويناته يتمعن في ملامح وجهه الشاحبة.
*الملاحظات؛ أمل زائف، البحث عن صلة بالجذور.*
(ماذا ستفعل إن لم تجدها؟) انبثقت الحيرة من قلب ملامحه ثم هز كتفيه يرد عليه بهدوء (لن أيأس، سأظل أبحث عنها.) (لماذا هي بالذات دوناً عن باقي عائلتك؟) طرح عليه سؤالاً متوقعاً اجابته التي احتدت مقلتا غانم له أكثر بينما يمنحه له بجمود (هي عائلتي! لا أحد منهم عائلتي، هي لوحدها.) ضيق إسماعيل مقلتيه قليلا يعقب بحذر (هل صدقتكَ حينها؟) على غير توقعه، لاحت شبه ابتسامة حنين لحبات نور نادرة وسط ماضٍ مظلم كالنجوم حين تزين سماء شديدة السواد (كانت صغيرة جداً، وأظن صغر سنها وبراءتها ما جعلها تصدقني في الوقت الذي تبرأت فيه مني باقي عائلتي، أولهم والداي.) عادت القسوة لتنقض على مقلتيه عند ذكر والديه، فناقشه إسماعيل (ما تزال على شعورك حتى بعد وفاتهما!) تنفس بصعوبة أبدته أكثر وهنا ثم رد اليه (منحتهما مسامحتي قبل موتهما لكن مصابي يرافقني فلا يدعني أنسى السبب.)
*الملاحظات؛ غضب عميق، بحث عن التعويض.*
(لماذا ساعدت ذلك الفتى؟) وجهه لطريق آخر ليواجه عمق نفسه، فتجمدت ملامحه وكأنه فوجئ من تغير مسار الحديث (إذا توقعت عدم سؤالي عنه، فلما أخبرتني بما حدث معه؟) هز كتفيه النحيفين بخفة يرد عليه وهو على استقامة عوده (توقعت سؤالك عنه حين أخبرتك من قبل.) ابتسم إسماعيل بعملية وهو يجيبه (أغلب الأسئلة تتوه ردودها إن لم تُسْأل في وقتها المناسب.) بادله بسمته الرسمية بينما يهز رأسه ثم أفصح له عن مشاعره (رأيت فيه نفسي في مثل عمره، ضائع في الأزقة، وكانوا ...) صمت يشد على شفتيه بألم، فأكمل عنه إسماعيل (أنت أنقذته من بين براثن الدعارة!) اتسعت مقلتاه الغائرتين بشكل طفيف، ورطب شفتيه الجافتين شحوباً.

أنت تقرأ
الستر من الحق..3..سلسلة نساء صالحات .. منى لطيفي نصر الدين
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة .... لا تنسوا صلاتكم... فالرواية تنتظر وأجر الصلاة في وقتها يطير..... أنصح و بشدة قراءة الجزئين السالفين من أجل فهم بعض الأحداث... سألوا الحكيم عن بئر السواد، ما هو؟ وأين هو؟ وكيف هو؟ فقال لهم الحكيم مغموما؛ تعالوا والتفوا...