قصة حنين

28 8 1
                                    

أشار لي الطبيب بأن أخبرهم بقصتي، فبدأت أبحث في رفوف عقلي و ذاكرتي عن أغرب الأحداث التي وقعت لي، و قلتُ: "أنا حنين، طالبة لغات، و بصراحة لم يحدث معي شيئٌ مرعب جعلني أفقد صوابي أو أحلم بكوابيس بسببه لأيام أو أشياء من هذا القبيل.. نعم سبق أن سمعتُ أصواتا في المنزل، و أحسستُ بأنفاس شخص ما بجانبي، لكن كل هذا عادي بالنسبة لي، فكلنا نعلم بأنهم موجودين بيننا في كل زمان و مكان، و ما لم نؤذوهم لن يضرّونا.. المرة الوحيدة التي خفتُ فيها و لم أستطع النوم هي عندما قضيتُ اليوم في منزل جدّي و جدّتي، وفي الليل قصّا عليّ ما حدث لهما منذ سنين بعيدة، مثل أيّ سهرة عائلية، أين يحكي فيها الكبار قصصا مخيفة للصغار. "
سكتُّ قليلا أستذكر كلام جدّتي ثمّ أكملتُ. كانت جدّتي قد أخبرتني بأنّها بَقيَتْ مستيقظة ذات ليلة شتوية باردة، تصنع مفرش مائدة من الكروشيه و تنتظر جدّي ليعود من عمله. كانت جالسة في غرفة المعيشة، بجانبها أمّي و خالاتي نيام. و ما هي إلاّ لحظاتٌ حتى سمِعَتْ طرقاً على الباب. نهضتْ ببطء و ذهبت لتفتح لكنّها لم تجد أحدا. فعادت إلى مكانها، غير أنّ الباب طُرق من جديد. و عندما فتحت هذه المرة، وجدت أمامها مكنسة، ظلت واقفة لثانية ثمّ سقطت.

تجمّد الدم في عروق جدتي فأقفلت الباب بسرعة و عادت إلى غرفة المعيشة و أطفأت الأنوار، ثم شرعت في قراءة المعوذتين و آية الكرسي

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

تجمّد الدم في عروق جدتي فأقفلت الباب بسرعة و عادت إلى غرفة المعيشة و أطفأت الأنوار، ثم شرعت في قراءة المعوذتين و آية الكرسي.
بعد ربع ساعة تقريبا، كانت بين الحلم و اليقظة عندما سمعتْ مفاتيح جدّي تفتح الباب، و رأت ظلّه يمرّ من غرفة المعيشة ليدخل إلى غرفة النوم. في تلك اللحظة، أيقظتْ إبنتها الكبرى التي هي أمي و أخبرتها بأن تذهب و تتفقد أباها الذي قدم للتو، ففعلت أمي لكنّها لم تجد أحدا في الغرفة، عندها تأكّدت جدّتي بأنّ المنزل مسكون بالجن و قررت المغادرة في اليوم التالي.
أمّا حكاية جدّي فقد كانت أقرب للخيال من الواقع. حيث سهر كلّ الليل يلعب الدومينو و لعبة الورق مع أصدقائه، و قرر العودة إلى البيت على الساعة الرابعة فجرا. و بينما هو يمشي بمفرده في الشارع الخالي من السكان، إذ به يسمع أصواتا نسائية قادمة من المقبرة المجاورة. فتجاهلها و أكمل مسيره، ليتفاجئ بعدها بلحظة بثلاث نساء، ماسكات أيدي بعضهن، تمشين بطريقة غريبة و رؤوسهنّ مائلة جهة اليمين، كأنّ رقابهنّ مقطوعة.

- هذا مخيف حقا!
قالت الفتاة ذات الشعر الأحمر.

- نعم جدا! لذلك لم أستطع النوم ليلتها، كنت أتخيّل أنهم معي في الغرفة.

أومئ الطبيب برأسه كعادته و كتب شيئا على الدفتر، ثمّ حان الوقت أخيرا لنسمع قصة الفتاتين، و لكن قبل ذلك، سألني عن "رؤى" و عن سبب عدم مجيئها فأخبرته بأن لديها بانتوفوبيا، و هي أحد أنواع الرهاب الذي يوصف بالخوف الشديد وواسع النطاق من كل شىء، و قد بدأت تعاني من هذا الرهاب عندما كانت صغيرة بسبب صدمة تعرضت لها في منزل يُقال بأنه مسكون بالجن.
آلمني قلبي فجأة عندما تذكرتُ أنّ "رؤى" بقيت بمفردها في المبيت الجامعي. ماذا لو حدث شيء معها أو إحتاجت مساعدتي؟
أخرجني من تفكيري صوت النقر على النافذة في آخر الغرفة، فالتفتُّ ناحيتها ثم إلتفتُّ نحو الطبيب فوجدته يشير لي بإلتزام الصمت. لم يبدُ على الآخرين أنهم قد سمعوا شيئا، و هذا ما جعل الأمر برمّته أكثر غرابة.
كنتُ أحسّ بانقباض في صدري و ثقل في أنفاسي.. الغرفة الآن مليئة بطاقة سلبية غريبة، أستطيع الإحساس بها بوضوح.
بعد عدة دقائق، تنحنحت الفتاة ذات الشعر الأحمر و بدأت تداعب خصلات شعرها و هي تتكلم:
- مرحبا جميعا، أنا "ليلى"، أدرس بالمعهد العالي للغات مثلكم، و تجربتي تقريبا مشابهة لتجاربكم. لكن قبل أن أبدأ، أريد فقط أن أسألك عن شيئ أيها الطبيب..

- نعم تفضلي.

- ألم.. يكن باب الغرفة على الجهة اليمنى؟ كيف أصبح فجأة على الجهة اليسرى؟ و أيضا لمَ المشفى فارغ؟ و لمَ أنت الطبيب الوحيد هنا؟

- هممم، أسئلة وجيهة، ستعرفين إجابتها قريبا. أما الآن، فمن الأفضل أن تحكي لنا قصتك قبل إنتهاء الوقت.

إعترافات 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن