إعترافات 2

التهديد

وجدنا طاولة عليها بعض الأواني و الأوراق القديمة، و الآلاف من الصور المعلقة على الحائط و المرفقة بأسماء و علامات باللون الأحمر، إظافة إلى الكثير من الشموع المبعثرة على الأرض، تحيط بالنجمة الخماسيّة التابعة للشيطان و التي تُستعمل في مراسم السحر و إستحضار الجن و الأرواح.

حدقنا بأفواه مفتوحة، و لم ندرِ أنفرح لأننا وجدنا هذا المكان السّري و هذه الأشياء أم نقلق و نخاف!
بدأ بعضنا في تسجيل كل شيء على الهواتف وإلتقاط الصور، بينما تفحص الباقون المكان و ألقوا نظرة على أسماء الأشخاص الذين على ما يبدو كانوا ضحايا المجزرة التي حدثت، أو ربما ضحايا طقوس أخرى.
صاحت فينا "رؤى" بأن نُسرع لأنها تشعر بأنّ هناك أحد معنا في القصر، فاستعدّ الجميع للإنسحاب، و بقيتُ أنا أنظر إلى طوبة غير متساوية مع بقية الطوب في ركن معيّن من أركان القبو أسفل الحائط، أخبرني حدسي بأنّها ليست مجرد صدفة.
إقتربتُ منها و بدأتُ أتحسّسُها بأطراف أصابعي، و دون وعي منّي ضغطتُ عليها فسقطت و ظهر من ورائها كتاب إختفت معالمه بتأثير الغبار. و ما راعني في تلك اللحظة إلاّ صوت صراخ الفتيات علينا بأن نخرج لأنّ الباب كاد أن يُغلق لولا أنهم أمسكوا به في آخر لحظة. فكأنّ قوّة خفيّة تحاول حبسنا في الداخل.
و لم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، بل اشتغلت أغنية من مكان ما في القصر بصوت امرأة مخيف يقول: "الفضول قتل القطة*** ما كان يجب أن تأتوا*** لقد تجرأتم على دخول مكان ليس لكم*** و الآن ستدفعون الثمن***."
بدأت الأرضية من تحتي تهتز و تشققت الجدران معلنة عن بداية إنهيار القبو. و حاولتُ أنا إخراج الكتاب لكنني لم أستطع، فكأنّ يد شخص ما في الداخل تسحبه هي الأخرى، و "هيثم" و "رؤى" يصيحون: "أخرجي يا حنين! هيا لنغادر! ماذا تفعلين! "
كنتُ مصرّة على أخذ الكتاب معنا و بداخلي شعور قويّ بأنّه مُهم جدا. و على حين غرّة، سقط جزء من السقف، تلاه جزء آخر، تلاه ٱحد الجدران، و أنا أصارع لإخراج الكتاب من الثقب في الحائط، لأحسّ بشخص يساعدني من الخلف، بعدها لم أعرف ماذا حدث. استيقظتُ على سرير المستشفى، مع ضمادات على يداي و رأسي، و "رؤى" بجانبي مبتسمة لإستيقاضي.
عندما استفقتُ بالكامل، أخبرني "أنس" بأنّهم غادروا جميعا لحظة بداية إنهيار المكان، بينما أسرع "هيثم" نحوي و ساعدني على إخراج الكتاب، ثم حملني لحظة غيابي عن الوعي و صعد بي إلى الخارج.
إلتفتُّ نحو "هيثم" فوجدت ضمادات على يداه هو الآخر، فشكرته بابتسامة حزينة و حاولتُ النهوض للمغادرة، غير أنّ الممرّضة أصرّت على أن أبيت الليلة في المستشفى تحسّبا لأيّ أمر، خاصة و أنّي تلقّيتُ ضربة على رأسي.
في تلك اللحظة، دخلت علينا مديرة السكن و وبّختنا أنا و "رؤى" و هدّدت بطردنا إذا لم ننظبط و نكفّ عن إثارة المتاعب، وسط صدمة و إستغراب الجميع.
في الليل عندما غادروا و بقيتُ بمفردي، أخرجتُ الكتاب الذي وضعته في وقت سابق تحت وسادتي و بدأتُ أتصفّح وريقاته التي تحوّلت إلى اللون الأصفر. بالطبع لم يكن باللغة العربية، بل كان باللاتينية على ما أظنّ. كتابات و رموز و صور مخلوقات غريبة الشكل، أثارت اهتمامي و فضولي..
فتحتُ تطبيق الترجمة على هاتفي و شرعتُ أترجم الكلام المكتوب، فكان عبارة عن تعاويذ و استدعاءات للجن و الشياطين و تراكيب تستعمل في السحر الأسود مثل:" قلوب قلب النان، ومؤمن مثل هذا الحب والعشق والإغراء.. عزمت عليكم يا معشر الجن والشياطين و یا اصحاب السحر والوسواس الخناس من الجنة والناس من جنود ابلیس بحق هذه الرؤساء ساطين الجن والشياطين ويا خناطف ويا ذو بعة و ياد نهش الدناهش ویا مستقر نطقش عجلوا بحق ربعه و زوبعة وياد نهش الدناهش و یا مستقر نطقش عجلوا بحق ابو مرة ابليس وبحق زهره میدوک.."
شعرتُ بقشعريرة وأنا أقرأ ذلك، فأغلقت الكتاب وحاولت النوم حتى يمر الليل سريعًا وأتمكن من الخروج من هنا و مناقشة موضوع مغامرتنا الأخيرة أنا و زملائي. وأثناء نومي، شعرتُ بوجود شخص ما في الغرفة، ثم يد تزحف إلى ما تحت وسادتي، وافترضت على الفور أنه، كائنا من يكون، يريد أخذ الكتاب لذلك فتحتُ عينيّ بسرعة، لكني لم أجد شيئا.
نظرتُ إلى الساعة فوجدتُها تعدّت الواحدة والنصف ليلا، ثمّ رأيتُ باب الغرفة يُفتح تدريجيا ليطلّ من ورائه ظلّ أسود طويل.
فجأة، فتحتُ عينيّ. إستغرق الأمر مني دقيقة لأدرك أنني كنت أحلم. نظرتُ إلى الساعة لأجدها تعدّت الواحدة والنصف ليلا، ثمّ رأيتُ باب الغرفة يُفتح تدريجيا ليطلّ من ورائه ظل أسود طويل. أعترفُ بأنه سيطَرَ عَليّ الاضطراب الشديد في هذه اللحظة وداخلني فزع كبير هدّ أوصالي وأعاق أنفاسي عن الخروج.
قلتُ في نفسي:" هذه نهايتك يا حنين، سيتمّ التخلّص منك الآن.. "