الظلام في كل مكان

15 5 0
                                    

قصصتُ على "هيثم" حلمي و ركّزتُ على الجزء الذي ظهرت فيه المديرة، كما أخبرته بمشاعري الحقيقية تجاهها و كيف أنّني لم أرتح لها منذ اليوم الأوّل. و ما إن أنهيتُ كلامي حتّى أقبلت علينا الأخيرة متظاهرة بالحزن و الصدمة لما حدث ل"رؤى". لم ننتظر كثيرا قبل أن يُسعدنا الطبيب بخبر إستيقاظ "رؤى" و السماح لنا برؤيتها، فدخلنا عليها و وجدناها مستلقية شاحبة الوجه، تُقلّبُ نظرها بيننا ببطء. أمسكتُ يدها و قلتُ لها:

- الحمد لله على سلامتك يا "رؤى"، لقد أخفتِني. آسفة لأنّني تركتُكِ و ذهب... أقصد لأنّني كنت غارقة في النوم و لم تكن لديّ أيّة فكرة عما حدث لك.

- لا بأس، أنا بخير الآن.

- حنين؟ من هاذان الشابان؟
سألت المديرة، مشيرة إلى "هيثم" و "عمر".

- ه.. هاذان.. زملائنا! نعم، ندرس معا!

أومأت المديرة برأسها ثم ذهبت للدفع و التوقيع، بينما بقينا نحن الأربعة وحدنا. عندها سألتُ "رؤى" ما الذي حدث معها بالضبط، فأخبرتنا بأنّها لم تستطع النوم و ظلّت تتقلّب في فراشها، ثمّ بعدها ذهبت إلى الحمام فرأت على المرآة انعكاس فتاة وجهها مشوّه و شعرها محروق. ظلّت الفتاة تصرخ و تمزّق جلد وجهها بأظافرها إلى أن أُغميَ على "رؤى" من هول المشهد.

- يا إلهي! الآن تأكّدتُ بأنّ هناك شيء مريبٌ بشأن سكننا الجامعي.

- صحيح.. ماذا أخبركم الطبيب هذه المرة؟

- أخبرنا الكثير من الأشياء، سأحكيها لكِ غدا ان شاء الله. شكرا لكما يا شباب على قدومكما، هيا لنغادر الآن.
طلبت المديرة سيارة أجرة لي و ل"رؤى" و تظاهرت بالإهتمام و الخوف علينا من خلال إبتسامة مبتذلة ممزوجة بحزن كاذب، طالبةً من السائق أن يقود ببطء وأن ينزلنا أمام باب السكن وينتظرنا حتى ندخل.. و قد فعل.
أخذتُ صديقتي إلى غرفتي و تركتها تنام على سريري، و وضعتُ لي فراشا على الأرض و تمدّدتُ. بالطبع لم أستطع النوم، بل ظللتُ أنظر للسقف و أفكّر، و ربّما غفوتُ قليلا دون أن أشعر، إلى أن أذّن المؤذّن لصلاة الفجر. عندها نهضتُ فصلّيتُ ثمّ عدتُ للفراش و قررتُ ألاّ أذهب إلى الجامعة في ذلك اليوم.
بعد ساعتين أو ثلاثة، سمعتُ صوت عاملات التنظيف و هنّ تنظّفن الممرات و المراحيض ككل يوم بعد أن نذهب إلى الجامعة، لكن هذه المرة كانت مختلفة. هذه المرة سمعتُ إحداهنّ تقول:" يجب أن نرحل من هنا قبل منتصف الشهر الرابع وإلاّ فسنصبح قربانا في المجزرة القادمة.. "
لتجيبها الأخرى:" عن نفسي يجب أن أفعل ما يطلبونه مني مثل كل عام لأضمن بقائي.."
كتمتُ أنفاسي و لم أتحرّك حركة واحدة، خاصة عندما إقتربن من غرفتي، و تلفّتُّ إلى "رؤى" التي بدأت تستيقظ و أشرتُ لها بأن تصمت، إلى أن غادرن.
زاد هذا الحوار الصغير في شكوكي بل و أكّدها، و صدّقتُ حينها كلام الطبيب كلّه.
في الليل، أخذتُ صديقتي بالقوة معي لرؤية الطبيب. لم أكن لأعيد نفس الخطأ مرة أخرى و أتركها بمفردها، كما لم أكن لأضيّع فرصة لقاء الطبيب و معرفة المزيد من المعلومات. كنتُ بحاجة للتحدث معه و فهم ما المطلوب منا بالضبط. كانت الغابة مظلمة أكثر من العادة، و ظللنا نسمع أصواتا و نرى أشياء تتحرك، فتظاهرنا بالشجاعة و أسرعنا الخطى حتى وصلنا.
هذه المرّة كان اللقاء قصيرا، حيث قدّم لنا الطبيب صندوقا به قوارير ماء مرقي، أساور من نحاس، و كتيّبات بها أدعية و أذكار و طلب من كل واحد أن يأخذ منها ليستعملها للحماية و الحفظ.
بعد ذلك، قال بأنه سيغيب لمدة شهر و سيعود، و المطلوب منا أن نراقب الجميع في الجامعة و السكن و نحاول معرفة خطواتهم القادمة.
عندما غادرنا، شعرتُ بعطش شديد، فشربت القارورة بأكملها و غسلت وجهي بقليل منها، بينما أبقى البقية قواريهم مغلقة. و قبل أن نفترق،
تبادلنا أرقام الهواتف وأنشئنا مجموعة للدردشة على تطبيق الواتساب تحسبًا لحدوث أي شيء.
في الصباح الموالي عندما إلتقينا، تفاجأتُ بهم جميعا يخبرون بعضهم كيف أنّهم فقدوا قوارير الماء خاصّتهم و لم يجدوها في أيّ مكان.

يُقال أنّ هناك لحظات شديدة الغموض، لا يعرف الإنسان كيف تأتي أو متى تأتي، لكنّ إحساساً غامضاً، وحدساً مفاجئاً، قد يُنبئ بأنّ شيئاً قد انتهى وانكسر، ولا بدّ أن يقوم على أنقاضه شيء آخر.. و تلك الحادثة كانت تقريبا بداية كل المصائب و بداية إنتشار الظلام في كل مكان.

إعترافات 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن