الفصل 6 «رَشا»

2 1 0
                                    


Pov Rasha:

لمحة من ظلام بارد تقودني لأقبع بين ظلال الماضي المترسخة داخلي، فتحتُ عيني لأجد نفسي ملقاةً أرضاً خارجاً، خلف بناية المدرسة حيثُ كُنا نتواجد بداية الرحلة

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

لمحة من ظلام بارد تقودني لأقبع بين ظلال الماضي المترسخة داخلي، فتحتُ عيني لأجد نفسي ملقاةً أرضاً خارجاً، خلف بناية المدرسة حيثُ كُنا نتواجد بداية الرحلة.. استفقتُ لأتأمل المكان، ظلامٌ موحشٌ يبتلع أرجاء المدرسة، ويبعثُ شعوراً خانقاً بالريبة.
وكأنني مررت بحلمٍ غريبٍ مزعج، استقمتُ لألف الأرجاء ببصري، الأرضُ الترابيةُ الجرداء التي تحيط المدرسة ذاتها، وأنا وحدي.. وحدي!.. أشعرُ بالخوف وحدي، لا أعلمُ ما السبب.. ربما لأن شعور الوحدة كان دائماً يخنقني، كان بجواري دوماً عدا البَشَر، أريدُ أحداً بجانبي في هذه الأثناء فأنا أخاف أن أتوه، وحتى إن تهتُ فأفضل ألا أتوه وحدي.

قررتُ الخروج من هذه المدرسة والعودة لمنزلي.. لكن السؤال هو أين منزلي أصلاً؟ لازلتُ لا أذكرُ شيئاً.. لا أذكرُ أين منزلي ولا لماذا أنا هُنا أصلاً.. وماذا إن لم يكن لدي منزل؟ ما الحل حينها؟
لم أكد أكمل صراع فكري إذ قاطعها اهتزازات الأرض فجأة، اهتزازات عنيفة ابتدأت وبدت كأنها تكاد تنقلب وتنطوي على بعضها كالكتاب..
أخذتُ أهربُ مِن كل هذا بحثاً عن باب المدرسة حتى لمحتُ من بعيدٍ تلك البوابة الصغيرة في نهاية الساحة، وبين نفسٍ وآخر تتقدم رجلاي لتعلن عن تسابقي مع الزمن من أجل الخروج حتى أعلنتُ عن انتصاري بالوصول، وفي تلك اللحظة بين التنعم بفرحة النصر وإدراك الواقع، صفعني الواقع بحقيقته التي تمثلّت بظهور ثلاثة وحوش بملامحهم المرعبة حيثُ يتلطخ جسد أحدهم بالأزرق الناصع ولايبدو كالبشر إطلاقاً، أما الآخر فحجمه صغير ولكنه الأبشع بينهم، يمتلك أجنحة كالطائر ورأسهُ كرأسِ عجوزٍ بشع أو بالأصح شيطان!..

أخذ الثلاثة بملاحقتي في حين بدأت أركض عائدة أدراجي مِن حيثُ أتيت..
أستطيع سماع صوت أنفاسي تتعالى، أشعر أني ألفظ أنفاسي الأخيرة.. أركض أركض ولازالوا مستمرين بملاحقتي ألا توجد نهاية لكل هذا؟ ألا يوجد مهرب؟ أينما اختبأتُ يعاودون أيجادي..
إختبأت تحت مخزن المدرسة الخلفي، كان عبارة عن غرفة ضخمة خشبية ترتفع قليلاً عن الأرض بأرجل خشبية، كان تضم تحتها الحشرات والعناكب والأوساخ لكنها رغم ذلك أفضل من الموت على يدي هذه الكائنات، بقيت أزحف أسفله حتى لا يجدوني ، كتمت أنفاسي وتسمرت في مكاني لدقائق ، هدأت قليلاً بعدها.. لقد فقدوا أثري أخيراً.. لقد نجوت بأعجوبة .. هدأت أنفاسي وغرقت في ذلك السكون لوهلة ، أغمضت عيناي بتراخٍ وحينما فتحتها بنفس الخفة ترائى لناظري تلك الملامح المرعبة .. ملامح الوحش برأسه الضخم وأنبابه المفتوحة التي يسيل اللعاب من جانبيها ، وهو يوجه نظراته بعينيه المدورتين الضخمتين نحوي بعبوس ، تكان عيناه تأكلانني قبل فمه ، أصابني الشلل لثوانٍ حال رؤيتي لذلك المنظر ولم يلبث حتى مد مخالبه الطويلة المسننة ليمسك بي ويخرجني من مخبئي الصغير ..
بحركة لا أرادية دفعت نفسي بقوة للخلف ، لأتدحرج بعيداً عن مخالبه الطويلة ، بقيت أتدحرج بجنون كمن فقد عقله وهو يحاول الهروب من الموت حتى آخر أنفاسه .. ولشدة خوفي نسيت حتى أن أستسلم للموت .. قد يكون الموت أقل رعباً مما أعيشه الآن .. أخذت أبكي وأتمتم يا إلهي إن كنت سأموت فلتكن موتتي بطريقة أخرى غير هذه .. أرجوك يا ألهي لا أريد الموت هكذا .. لا أريد الموت وأنا أُلتهم من قِبل هذه الكائنات !..
إستمر تدحرجي حتى إلتصقت بالحائط ، لكن مخالب الوحش لازالت تطاردني .. لازالت تقترب من الوصول إلي وكأنها أصبحت أطول من المعتاد .. إنها تصبح أطول وتصل إلي مهما إبتعدت وهربت .. إلتصقت بالحائط حتى شعرت بأنني أصبحت جزءاً منه ، وكأننا أصبحنا كياناً واحداً .. ومن بين قطرات دموعي وأنفاسي التي تكاد تنقطع ، لمحت أرضية المخزن التي فوقي مفتوحة ، وكأنها ثقب مربع كبير في الأرضية ، أستطيع الصعود منه والدخول له ، حملت نفسي لأقفز من خلال تلك الفتحة وأدخل للداخل لأصل لبناية غريبة .. هذه ليست المدرسة ، الحيطان والغرف بيضاء ونظيفة ، خالية من الكتب والأغراض والمقاعد .. ألا يجب أن تكون خشبية على الأقل ؟ لم يخطر كل ذلك ببالي حينها .. فلم يهمني أمرٌ غير النجاة ..  عاودت الركض خلالها ، فتحت باباً لأدخل غرفة أخرى لأجدها تحوي المزيد من الأبواب ، دخلت باباً آخر لأجد أبواباً أخرى وممر طويل مظلم .. إحترت أيها أدخل؟ أين أتوجه؟ وإلى أين يقودني كل مدخل ؟ أريد .. أريد .. أريد الخروج من هنا ! أريد الخروج من كل هذا .. قطع تخبطاتي صوت الباب يفتح وإذ بالوحش خلفي يدخل متوجهاً نحوي .. ركضت بدون تفكير عبر الممر الطويل لأدفع الباب وأدخل ، وجدت غرفة فارغة كالعادة والعديد من الأبواب .. دخلت أحد الأبواب بعشوائية وكان باباً أبيض اللون على عكس الأبواب الخشبية الباقية لأجد نفسي داخل حمام ، إنه صغير مطبق بالسيراميك الأبيض ولكن هناك جزء غريب في نهايته ذو لون مختلف ، يبدو وكأنه باب مخفي ، حاولت فتحه بقوة ولم أستطع فتحه ، لاحت لمشامعي أصوات الوحوش يقتربون مني ، سيدخلون هنا لا محالة ، أخذت أزحزح الباب بكامل قوتي ، قد لا يكون باباً أصلا .. قد أكون أتخيل ولكن لدي شعور لا أعرف مصدره يخبرني بأنه بوابة وأن علي الدخول بأسرع وقت وإلا سيكون هلاكي .. دخل الوحوش الحمام ! لقد لحقوني .. لحقوني وكأنهم يعرفون كل تحركاتي ! وهاهم يقتربون مني كالرياح .. في آخر لحظة تمكنت من فتحه لأقفز بلمح البصر خلال  المدخل السري ، المكان ضيق بالفعل ولا أستطيع المواصلة إلا زحفاً ، ولكني كنت خارجة عن وعيي بالفعل .. كنت أزحف وأزحف للداخل بلا تراخي .. عبرت من خلاله بأقصى سرعة أملكها منغير أن ألتفت ورائي حتى ولا أن أتحقق إن كانوا يواصلون مطاردتي أم غادروا .. واصلت المضي والزحف حتى وجدت فتحة للخارج ، عبرت منها لأنزل إلى داخل غرفة مغلقة ، تحوي باباً في نهايتها ، ركضت نحو الباب محاولة فتحه لكنه كان مقفلاً ..

رِحلةٌ إلى سَقَرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن