الفصل 3 «المعبد»

2 1 0
                                    

إستشعر كوڤير بتواجد أحد في الأرجاء فأمرنا بالبقاء هنا وإنتظاره ، أخذ يسير مغادراً المكان وفجأة حدث إنهيارٌ صخري فوقنا ، وبدون سابق إنذار بدأت الصخور تتساقط من الأعلى كالسيل ، ضَرَبَت الصخور المتساقطة كوڤير وأسقطته في الهاوية ، أمّا في الجهة الأخرى حيثُ نحن أخذت كلَّ واحدةٍ منا تركُض بإتجاه تتجنب بأقصى ما تملك أن تدهسها صخرةٌ ما ، لاحظتُ أننا نتباعدُ عن بعضنا فتبعتُ لميس وأمسكتُ يدها بقوة ثُمَّ إنطلقتُ بكامل قواي نحو عُلا لأخبرها بأن نبقى معاً وإذ بصخرة كبيرةٍ تسقطُ فوقها ..

دفعتُ الصخرة بعيداً ولحسن الحظ إنها إبتعدت عنها مما جعلها تصيب ساقها فقط ، ساعدتها على المشي وأخذنا نواصل الهرب بشتى ما نملك من وسائل ، بدأتُ أقطع متاهات الكهف المتعرِّجة متجنبةً الموت مدفونةً تحت هذه التكتلات ، بعد توقف الإنهيار كنا مختبآتٍ عند أحد الزوايا وقد نال منا التعبُ حدَّ الإعياء ، وحتى اللحظة الأخيرة لم ندرك أننا أضعنا كوڤير ولم ندرك أنه سقط في الهاوية مع صخور الإنهيار .. أما أختي عُلا فقد جُرحَت ساقها ، بدأنا ننادي لكوفير ولم نتلقى أية إجابة، قررنا البحث عنه فساعدتُ عُلا على الوقوف وأكملنا السير ، تنهدت عُلا :
- متى سنحصلُ على الكنز ونعود ، سأشتري مئات القطط به حينها

- وأنا سأشتري بيتاً من الحلوى ! .. وأنتِ رَشا ماذا ستشترين؟

- أَنا؟ في الواقع لم أفكر بعدُ ماذا سأشتري .. ربما لن أشتري شيئاً وسأحتفظ به فحسب

- هذا ممل ، الأموال وُجدت لنشتري بها

- غير صحيح فلن يعود كنزاً لو صرفته كلّه

- إنه كنز لذا فهو لن ينفد

- لا يوجد شيءٌ في الحياة لا ينفد

قاطع المسير ظهور معبد ضخم أمامنا ، مبني من أحجار الطوب الملونة مما جعله يبدو برّاقاً وزاهياً ، ركضت لميس نحو المعبد بمرح لتدهس على الحجر الأصفر الذي يغطي أرضيته وفجأة ظهر باب ضخم أمامها ذهبي اللون ومصمم بطريقة غريبة ، إنفتح ليسحبها نحوه وسرعان ما أُغلقت البوابة ، رَكضَت عُلا بإتجاهها لتدهس طوباً أخضر ، إنبثقت بوابة من العدم بلون الزمرد ، مزخرفة بطريقة غريبة ويشع منها ظلامٌ غامض ثم إبتلعت عُلا إلى داخلها خلال ثوانٍ وعادت لتُغلَقَ مجدداً ، حدث ذلك بلمح البصر ورغماً عني حتى كدتُ أصدق أنه كان ضرباً من خيالي .. لكن هدوء المكان في تلك اللحظة وخلوه من أي أثر للحياة عداي قد أعادني للواقع ..

تحركت ساقاي بقوة من تلقاء نفسهما لتدهسا أرضية المعبد ، توجهت إلى حيث تقبع البوابات المغلقة تلك .. أخذت أضربها بكامل قوتي ، أطرقها وأحاول فتحها ومامن جدوى ! وكأنها مجرد صخور تقبع في المكان ، لم ألبث حتى تكوَّمتُ أرضاً لأسمح لدموعي بالإنسكاب بحرقة ..
- أختاي .. أين ذهبتا أختاي؟

.
.
.

تصدح الأرجاء بأصواتُ التراتيل ، تتسلل معلنةً عن بدء تراسيمٍ ما ، وتعزف العصافير على أهزوجة الشذى ، تفتح صاحبة العشر سنوات أجفانها ببطئ لتصحو على رنين الأصوات المترددة بعمق ، تسللت لأنفاسها رائحةٌ عطرة ، تنعمت بعبيرِها لفترةٍ لتجلس أرضاً ، لفَّت ببصرها الأرجاء لتتمعن بما ينتصب أمامها .. درجات السلالم المغطاة بسجاد الملوك الأحمر ، قطع السيراميك الأبيض الذي يغطي الأرضية الشاسعة خارج القصر ، حيث ينبلج فن البناء بتدرج إرتفاعات أرضيته ، تتخلله عواميد ناصعة البياض مزخرفة بإتقان ومن حولها تتراقص أقراص الجوري الحمراء المتفتحة مع لحن النسيم المنعش لتنشر عبق رحيقها هنا وهناك، وفي آخر الرواق ينبلج قصرٌ عالي البنيان بلون الثلوج الفخم .

رِحلةٌ إلى سَقَرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن