8.الخيار النهائي

0 1 0
                                    

كنت أجلس وحدي في الظلام بعد اختفاء رهّاب، أفكر في ما قاله. الكآبة كانت تملأني، والخيانة كانت تتغلغل في أعماقي، وكأن كل ما كافحت من أجله قد زُيف. لكن عندما حاولت تهدئة تفكيري، ظهرت أمامي فكرة أخرى: لقد جاء وقت الاختيار. كان لزامًا عليّ أن أقرر كيف سأتعامل مع ما بقي من المعركة.

بينما كنت أسترجع أحداث المعركة، شعرت بشيء يشدني إلى الوراء — كانت هناك قوة غير مرئية تدفعني نحو إدراك جديد. وجدت نفسي على حافة الهاوية، متسائلًا عن الخطوة التالية. إذا كانت نهاية رهّاب تعني شيئًا أكثر من مجرد انتصار، فإن ذلك يعني أنه يجب عليّ اتخاذ قرار صعب.

في تلك اللحظة، ظهر أمامي مشهد من حياتي، صورة لحبيبتين، سارة، والتي كانت دائمًا معي في أفكاري وأحلامي. كانت الصورة توحي بأنها في خطر، وكأن رهّاب قد وضعها كرهينة في قلب خطته. كانت الحقيقة مفجعة، إذ اكتشفت أن الطريقة الوحيدة لهزيمة رهّاب هي تقديم تضحية عظيمة. لم يكن الأمر يتعلق فقط بتخلي عن جزء من روحي، بل كان يتطلب مني التضحية بشخص أحببته بعمق.

تذكرت كل لحظة قضيتها مع سارة، كل ضحكة ودمعة ومشاعر عميقة. كانت بالنسبة لي أكثر من مجرد شخص؛ كانت جزءًا من حياتي، وعزيمتي، وأمل. الآن، كان يُطلب مني أن أختار بين إنقاذ نفسي وحمايتها. كان الأمر أشبه بكابوس لا ينتهي.

رفعت عيني إلى السماء الداكنة، محاولة إيجاد إجابة. "كيف يمكنني أن أختار بين حماية من أحب، وحماية نفسي؟" كنت أسأل نفسي. كان القلب يثقل بعبء الخيار.

في تلك اللحظة، ظهر صوت داخلي، كأنه يستمد قوته من أعماق الروح. قال لي، "التضحية ليست عن قوة أو ضعف، بل عن ما نؤمن به. هل ستترك من تحب لأنانياتك، أم أنك ستثبت أن قوتك الحقيقية تكمن في قدرتك على التضحية؟"

كانت كلمات الصوت بمثابة صدمة. أدركت أن هذا التحدي كان أكثر من مجرد اختبار للقوة؛ كان اختبارًا للإنسانية. كل ما مررت به كان يعدني لهذا الاختيار، كان يختبر ليس فقط قدرتي على المعركة، ولكن أيضًا عمق حبي واستعدادي للتضحية من أجل الآخرين.

سارة، في كل تفاصيلها، كانت تمثل كل ما هو جميل في الحياة. في لحظة حاسمة، تخيلت أنني أخسرها، وأن العالم يصبح مظلمًا وخاليًا. لكن، هل كان بإمكاني أن أضحي بها لحماية شيء أكبر من نفسي؟ هل كان بإمكاني أن أثبت أن حبي وإخلاصي يستحقان التضحية؟

بصوت مملوء بالدموع، قلت لنفسي، "إذا كانت التضحية هي ما يلزم لإنقاذ سارة وحماية ما أؤمن به، فأنا مستعد. سأفعل ما يجب فعله، حتى لو كان الثمن هو كل شيء أملك."

بينما كنت أستعد للمواجهة الأخيرة مع رهّاب، شعرت بثقل الاختيار يخفف من قوة قتالتي، لكنني كنت مصممًا على تحقيق الهدف. لم يكن الأمر يتعلق بانتقائي، بل بقدر ما كنت مستعدًا للتضحية من أجل الآخرين.

وصلت إلى معركة النهاية، حيث كنت أواجه رهّاب مجددًا، هذه المرة كنت محملاً بثقل الاختيار. نظرت إلى عينيه، وشعرت أن هذه المعركة لن تكون مجرد قتال، بل ستكون اختبارًا لقلبي وروحي. كان يتعين عليّ أن أظهر له أنني مستعد للتضحية من أجل ما أؤمن به، حتى وإن كان الثمن هو كل ما أحب.

في خضم معركتنا الأخيرة، كان كل شيء يتسارع بشكل غير متوقع. رهّاب، مع ابتسامته المتغطرسة، كان يبدو وكأنه يربح اللعبة، بينما كنت أشعر باليأس يتسرب إلى أعماقي. كانت كل خطوة وكل ضربة في معركتنا تعني أكثر من مجرد صراع؛ كانت تعني حياتي وسارة وكل ما أؤمن به.

كان كل شيء يحيط بي مظلماً وصاخباً. لكنني فجأة، وسط ضباب الصراع، تذكرت شيئاً هاما: كتاب قديم، قديم جداً، كان يحوي سحراً قديماً محكماً. ذلك الكتاب الذي كنت أظنه مجرد خرافة، كان يحتوي على سحر بإمكانه إعادة حبس كائن مثل رهّاب، لكنه يتطلب ثمنًا باهظًا.

إلى جانب الألم والإرهاق، تملكتني فكرة جنونية: هل أضحي بحريتي الخاصة لإنقاذ سارة وحماية ما أؤمن به؟ كان الخيار كالنار التي تحرق أعماقي. كان يتعين عليّ أن أتصرف بسرعة، دون تردد. رهّاب كان يزداد قوة، وكانت كل ثانية تمر تجعلني أشعر بمدى اليأس الذي يقترب.

تقدمت نحوه، محاولاً أن أخفي ارتعاشي، وقلت بصوت هادئ رغم اضطرابي، "تظن أنك قد انتصرت، لكنك نسيت شيئاً. هناك ثغرة في سحرك القديم، وهي المفتاح لإنهاء كل شيء."

ضحك رهّاب ساخرًا، وهو يرفع يديه كأنه يراهن على حماقتي. "ثغرة؟ سحري لا يُقهر، وحيلك لن تؤثر عليّ."

رفعت يدي، وبدأت أردد الكلمات القديمة التي لم أكن متأكداً من مدى فعاليتها، لكن لم يكن لدي وقت للتفكير في ذلك. كأنني كنت أطلق سحرًا لا يعرف الرحمة، بدأت الكلمات تتدفق من شفتي، وكل كلمة كانت تستنزف جزءاً من طاقتي وحياتي. كان الألم يشتد، وكان كل حرف يُرسل موجة من القوة، لكنه كان يكلفني شيئاً ثميناً.

رهّاب شعر بالتغير، وكان وجهه يبدأ في الانكسار من الثقة إلى القلق. كان يحاول مقاومة السحر، لكنني كنت مصمماً على الاستمرار، حتى عندما شعرت بالدوار وبتلاشي قواي. كان الكتاب القديم، الذي بدأت أعمل عليه، يضيء بلون أزرق نابض، وكأنه يتغذى من تضحياتي.

"محمود، توقف!" صرخ رهّاب بوجهه المشوه بالغضب. "لن تنجح في قهري بهذه الطريقة!"

لكن الأوان كان قد فات. مع كل كلمة أخيرة، كنت أشعر بقلبي ينفطر، وسحر الكتاب كان يتعاظم. وبدأت رؤية رهّاب يختفي في دوامة من الضوء الأزرق المتوهج، وكان يصيح ويقاوم، لكن السحر كان أقوى.

ببطء، بدأت أرى الكتاب يُغلق بإحكام، وسحره يحيط برهّاب كعاصفة نارية. كنت أشعر بأن كل جزء من قوتي يخرج، وعندما لم أعد أستطيع التحمل، أغشي عليّ، وسقطت على الأرض.

عندما أفقت، كان الكتاب مغطى بهالة من الضوء، ورهّاب كان محبوساً داخل الكتاب، محاصرًا بقوة السحر القديم. كان الثمن الذي دفعته باهظاً، ولكنني كنت أعلم أنني قد فعلت ما كان يجب فعله. كانت المعركة قد انتهت، لكنني كنت عالماً أنني قد خضت مقامرة يائسة، وأنني دفعت كل ما لدي في سبيل حماية كل ما أحببت.

ظل رهّاب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن