عدتُ لمنزلي ذاكَ اليوم مليئًا
و لكنني جشعٌ بك، أبتغي المزيد حتى أفيض.و مع نهايةِ لقاءنا قبل أربعةِ أيام بإبتداء هطول المطر أدركتُ أننا لم نتبادل الأسماء بعد. و مع عبارتك الوداعية -لنكمل حديثنا في المرّة القادمة- أدركتُ أنكَ كنتَ تبتغي القُرب بدورِك، و أدركتُ أننا الإثنين جشعين لن تكفينا محادثةُ لساعة، و لا عناقٌ قصير.
لقاءُنا لم يكن حزينًا و لم أعتبره يومًا كذلك، فـيوم رأتكَ عيناي لا يمكن وصفُه بكلماتٍ سطحية دميمةٍ كهذه، بل يليقُ بكلّ شيء أنتَ فيه التمجيد و التقديس، أغنياتُ التسعينات و تمايُل أوتار القيثار ترحيبًا بمجيئك، يا حلوَ أيامي أنت.
- أتيتَ مبكرًا -
قالَ لي و إبتَسم.
بل أنا لَم أنَم الليلة الماضية توقًا لميعادنا.أراه يستعجل في ترتيبِ الكتب فور حضوري.
- أتودّ المساعدة ؟-
وددتُ لو يفعل، لا أريد لهذه اللحظات معه أن تنتهي مبكرًا. حتى لحظات الصمت بيننا لها قدسيةٌ خاصة .- لقد إنتهيتُ بالفعل، تعالَ لنجلس -
و إستقرّيتُ في الكنبةِ البنيّة في أحد الأركان و القيثارُ الأسود الذي إعتدت التدرّب عليه مع السيّد يون قد إلتقطتّه من الجدار و أقبعتُه فوق ساقاي، فأحضرَ هو كرسيًا خشبيًا و جلس قبالي.- إذن.. أينَ توقفتما آخر مرة ؟-
سألتني، و أنامِلك الطويلةُ ترسمُ طريقها لتثبّت يدايَ على الأوتار بينما أنتَ تعلم أنني أعرف أين أضعهما.- تعلّمت الأساسيات، كنتُ بصدد تعلم عزف بعض الأغنيات-
أجَبتك، متحاشيًا ذكر والدك؛ لأني أهتمُ للتفاصيل، و أخشى إبكائك.- ما رأيُك أن أعزف لكَ أنا ؟ و أنتَ شاهدني هذه المرة، و بعدها سأعلّمك إياها بعد تجزأتها لمقاطع ليسهلَ عليكَ حفظُها-
أخذتَ القيثارَ القديم و فورَ أن إبتدأتَ عزف أغنية تسعينية و رغمَ أني أعرفها كل المعرفة، فقد تبخّرت كلماتُها و علقت في صدري فورما تجلّى لي محياك البهيّ بوضوح فجلستُ أتأملك.
شعرك البنيّ الطويل كانَ منسدلًا على جوانب محياك، و لتويّ إنتبهتُ على الشامة في خدك، بل كانت أقربَ لأنفكَ الدقيق بجهةِ عينك اليُمنى أكثر، و تلكَ الشامةُ بالتحديد قد إستحلّت إنتباهي حتى نسيتُ أن أنتبه على محلّ يديكَ على الأوتار و أنت تعزف. و على حينِ غرة قد رفعتَ عينيكَ العسليّتين نحوي و ضحكتَ على شرودي بك، يا إلهي.
- أكنتَ تستمعُ حتى ؟-
و ضحكتَ بهدوئك المعتاد مجددًا. و لم أخفي إحراجِي فضحكتُ عندما إزدادت ضحكاتُك.- متى سأراك مجددًا ؟-
سألت أنا.
- لما تسأل عن اللقاء القادم؟ أولست تراني الآن ؟-
أجبتَ تتركُ القيثار جانبًا و تريحُ جسدكَ حذائي على الكنبة و لشعورك بالراحة تستحلّك قد تنهدت طويلًا.- و لما لا؟ ألا تتحدث عن الحياة بينما لا تزالُ تعيشها ؟-
إبتسمتَ مغلق العينين. لأريحَ ظهري خلفًا أنا الآخر، نشاهد سماء المساء و هي تلفظُ آخر أنفاس النور، و تتلحفُ ظلمتُها بالغيومِ الثقيلة و التي أرعدَت تنذرُ بمطرٍ ليس ببعيد.- جوشوا هونق، واحد و ثلاثونَ عامًا، ماذا عنك ؟-
قُلت أبعد ناظري عن النافذة البعيدة و أوجهها نحوَ من كان يراقبني قبلًا.- يون جونقهان، ثلاثةٌ و ثلاثون -
- لا أصدق أنَك تكبُرني بعامين.. هذا لا يصدّق !، من عبثَ بالإعدادات ؟-
ضحكتَ قليلًا و علمتُ أنكَ تهوى المديح، أنتَ تستحقّ كل المديح.- أتريدُ تبادلَ الأرقام حتى نتراسل لاحقًا، جوشوا ؟-
سألتني و عينيكَ تبرُق أكثر من السماء.
-الرسائل النصيّة وسيلةٌ باردة للتعبير ألا تظن ؟ لما لا نتبادل عناوين منازلنا و نتراسل بالورق؟ قد تجد هذا غريبًا و لكنّي أود إعادة التسعينيات معك، مع أحدٍ يمجّد تلكَ الليالي -- بالتأكيد.. -
و هذه المرّة شعرتُ بالبرقِ في نبرتك.
- يكفي أنّك تشبهني كثيرًا، كيف وقعنا على الحُلم ذاتِه
الأمنيةِ ذاتها، بل و تذكرّني بوالدي بطريقةٍ حنونة.. و أنا أحبّ هذا الشعور.. الألفةُ معك -أحسست.. بكلّ حرف خرج من فاهِك بقطعةٍ في قلبي تُرمم و تُزهر، في كُل مرةٍ ينالُ محياكَ جرعةً من السعادة الخالصة معي أشعر و كأني لا أطلبُ شيئًا من الدنيا، أنا راضي.
- الشعورُ معك، و كأننا كنا معًا في حياةٍ سابقة، حياتنا كانت تُشبه الأفلام البيضاء و السوداء، و كانت هادئة ..-- في إيطاليا -
قُلتَ و أنا ضحكت على صوتك الحالم.
- نعم، في إيطاليا .-و بعد ذلكَ ما كففنا نتحدثّ عن الأغنيات و الكُتب، عن الفلسفاتِ و الديانات و كُل شيء نتشابَه به و نتبادل وجهات النظر مع بعضِ الخلافات القليلة و التي تنتهي بقهقهاتٍ خفيضة ممتزجةٍ بصوتِ المطر المنهمر. و البرقُ الذي اظهرَ جانبه اللطيف هذه الليلة، كان يضيء المتجرَ كل فترةٍ ليرويّ ظمأي بلمحةٍ من محياك الصافيّ.
كانَ الجوّ السائد بيننا مريحًا، و الجوّ كان معتدلًا داخل المتجر فكانَ مريحًا أيضًا، و لأن الأمطار لم تتوقف حتى وقتٍ متأخر لم نعي على ذواتنا فسقطنا نائمين بعمق، هناكَ على أريكة المتجر العتيق.
و لأوّل مرة، لم أخشى المطر.
أنت تقرأ
التسعيناتُ مَعك - جيهان
Fanfictionفاقدي الحب قد منحاه لبعضهما على أكمل وجه. - جوشوا هونق - يون جونقهان [ من سفنتين ]