6. جَوى.

58 4 0
                                    

- الآن، دعنا لا نكبُت.. بإمكانك أن تبوح بكل شيء -
قدّمت لي حديثك بنبرةٍ دافئة، نبرةُ شخصٍ آمن.

- عندما كنتُ في أميركا.. نشأتُ وحيدًا دون أبوين، فقد هجرانا واحدًا تلو الآخر، و لن أقول بأن فقدَهما كان له تأثيرٌ قويّ علي، لكنني لن أنكُره. كأخٍ كبير، كان الحِمل عليّ ثقيلًا و لكنني تمكّنت من المواصلة و الإعتناء بأخي الأصغر، كانَ كُل شيء بالنسبةِ لي، و قد سلبَه مني المرض و لا قدرة لي لتحمّل فقدِه، بل لا أتخيل حياتي دونَه، من عشتُ معه سنين عُمري. بعد مرضِه.. كنتُ أعيشُ تعاسةً روتينيةً، أستيقُظ صباحًا بروحٍ مُثقلة للعمل، و ازورُه في المشفى نهاية اليَوم.. و أجهشُ بالبكاء.. -

صمتُّ قليلًا أراقِبك تُغرق الأكواب الشفّافةَ بالحليب الساخِن بعدَ إضافةِ مسحوق القهوة و الكاراميل و السكّر و تعيرنُي سَمعك و إنتباهكَ دون ناظريك.

و كَم كانت فكرة ذكيّة مِنك، ألا تُحدّق بي بينما أتكلم، فمعرفتُك السطحيةُ بيّ خوّلتك لمعرفةِ أنني إنسانٌ كبوت، فعندما ينفجر بالحديثِ من إعتاد إرتداء السكوتُ، لا يبتغي أن يكونَ محطًّا للأنظار، فهذا لا يزيدُه إلا توترًا.

- أتعلمُ شيئًا.. مُصادفتُك كانت أجملَ ما حلّ بي منذُ عُمر. غيثي الذي طالَ إنتظارُه. منفذي من كل شيء، حتى من نفسي، يا إلهي كم كانت فكرةً ذكية أن ننتقل للعيشِ في كيوتو-
إبتسمتُ قليلًا، كان هذا أفضلَ خيارٍ إتخذتّه انا و آيسول.

- معكَ أشعر بأنني أعدتُ عيش مراهقتي التي خَلت من طيش المراهقين، كانت مراهقتي باردةً جدًا، مراهقة مليئة بمسؤولية مرهقة، لذا أردتُ أن أسترجع معك حقي في مرحلةٍ من العمر لم أعشها في أوانها -

شقّتُك الدافئة خفيضةُ الضوء قد أنارها برقُ السماء البادية من النافذةٍ الواسعة التي شغلت حيّزًا كبيرًا من جدار مطبخِك. و من منظور الشخصِ الثالث، كنا نقف قربَ الموقد و خلفنا النافذة و هيئتينا المظلمتين أمام السماءِ المتوشحه بالحُلكةِ و الغيوم الداكنة. و التي ما لبِثت ثوانٍ حتى أمطَرت.

- لمعلوماتِك.. أنتَ قويّ للغاية، أقوى مما أتخيلُ و تتخيل.. الصمودُ بعد كل هذا، لشيءٌ تعتزّ به.. -
رفعتَ محياكَ، و صدمَتني عيناكَ الماطرة، ألا تَعلم أن بكاءكَ كانَ من أصعب الأشياءِ التي ذُقتها منذ دهر ؟.

عدنا بقهوتنا الساخنة حيثُ الصالةِ الواسعة جلسنا على الأريكةِ أمامَ التلفازِ الذي يعرِض فيلمًا موسيقيًا تسعينيًا. و لكِننا مشغولينَ ببعضنا.

- أنا.. وحيدُ أبيّ بعد وفاةِ أمي.. ليسَ هناكَ الكثير لذكرِه عن حياتي، سوى أنني كنتُ أعشقُ والدي قديمُ الطراز و الذي نشأتُ مثله محبًا للحقبةِ التِي وُلدت بها، قد إنهرتُ و تدّمرتُ عندما توفيّ ..-

- هِي هِي إسمَع، توقّف عن التقليلِ مما شعرتَ به فقط لأنَ مصائب غيرِك أكبر.. لا تستهوِن بحزنِك مهما كانَ قدرُه. أنا لستُ بالقوة التي تتخيّلها فقد نالت مني الإنهياراتُ كذلك.. لذا أنتَ قويّ أيضًا.. أنتَ بطلُ حكايتي جونقهان-

إقتربنا من بعضنا برويّة، و هدأنا بين أحضانِ بعضنا. القهوةُ قد فقدَت بعضَ حرارتِها و لم تصمُد قبالَ حرارتِنا. صدَحت أغنيةٌ ما على التلفاز من الفلم القديم، و أنت إبتعدتّ عنّي قليلًا لتعليةِ الصوتّ بجهازِ التحكّم فمددتُ أنامِلي لأمسَح دمعاتَك العالقة على وجنتِك.

- أتشاركني برقصة.. أيها الأميرُ جوشوا ؟-
قلتَ تستلفُ عبارةً من رسالتك السابقة، تقف أمامِي و تمدّ لي كفّك بإنحناءة بينما تحدّق بي بوداعةٍ أبكت مُهجتي.

- من دواعِي سروري أن اراقصك على نغمِ ليالي التسعينات.. أيها الأمير جونقهان-
تمسّكتُ بكفّك الممتدة أو حبلُ نجاتِي، فإختلافُ المسميات لن يشكل فارقًا ما دامَ المعنى واحِد.

و في تلكَ اللحظة.. عندما إحتضنتُ خصرك، و انتَ شددتَ على كتفاي و صدحتِ الموسيقى و تبادلنا النظرات و البسماتِ الصادقة، عندما تراقصنا كالأمراء، كأبطالِ حكايتنا، علمتُ أنني أوّد من لحظاتنا أن تدوم، و أودّك.

التسعيناتُ مَعك - جيهانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن