الخامس.

34 8 6
                                    

صوت انفاس لاهثة يضج في الأعماق، قرعت طبول الحرب في قلوب الأمهات، اقفلوا الشجعان الأبواب على انفسهم واتخذوا الهروب سبيلا، بلغ الأشرار كأس النصر واحتسوا الشراب على جثث اعدائهم، والناجي من الحرب لسوف يشم اثره المعذبين، طنين النحل الذي يعج في صدرها يكاد الهالك يسمعه، انفاسها المتضاربة مع الريح تعصف بكل خطر تدركه، ظلمة حالكة مرهبة كظلمة قبر لا تحتضن سوى جثمان فارغ، تحتضن ذات الضماد كقبضة الموت حينما تقبض المنشودين وبالفعل تركض هاربة وكأن الموت يتبعها بل ما كان يطاردها سوئه اضعاف حضرته!

يغطي جسدها وشعرها رداء احمر قاتم كدم البشر، تركض ولا تصل الى منفذ في متاهة مقفلة مصنوعة بدهاء واحكام، متاهة حجرية لا نهاية لها ..

تجري بلا توقف وانفاسها تصدح في الجدران وترتد، وفي مشهد مريع يظهر مئات المعذبين من خلفها، اجساد كهيئة ايليمنت سوداء بلا ملامح او روح، تضاهيها بالسرعة وتتسلق الجدران وبعضها يجري على الأسطح وبأربعة أطراف يقتربون من لمسها شيئًا فشيئًا!

الى أن اطلقت شهقة الموت وافاقت مرعوبة غارقة في عرقها متوسعة الحدقتين قابضة كفيها على غطاء فراشها وتستنجد الهواء الى الرئتين ..

-الكابوس يعاد مرتين.

وجدت ماتيلدا جالسة مقابيلها لتومئ لها بالنفي ..

-بل العشرات! لا ينتهي.

-هل اقص لكِ شعرك؟

بعدما مسحت على شعرها سحبت ذات الضماد انفاسها اللاهثة واومأت لها بهدوء لتجلب المقص، ادارت الفتاة جسدها فتربعت ماتيلدا خلفها وبدأت تقص خصيلات شعرها الأحمر الذي طال بليلة وضحاها اكثر من حده، عم صوت تلاحم ذراعي المقص ببعضهما وبدأت خصيلات شعرها تتهاوى كالمطر الأحمر بحضن ماتيلدا ..

-سوف تجدين تفسيره لربما.

-كابوسي لا يفسر، واخاف ان يتحقق فأكون بذات الموقف ..اجري وحيدة!

لمع الخوف بعيناها آنذاك ولم تستطع ماتيلدا تجاهل ضجيجه حينها فأدارتها اليها واحتضنت وجنتيها بكلتا يداها واخبرتها:
-لا تخافي ولا تحزني انما نهاية الخائفين وشيكة وليس بقلوب الشجعان سوى النصر المحتم، ولا تنسي ..

ثم هبطت ايادي ماتيلدا من وجنتيها الى يديها المغطاة بالضماد واضافت:
-والشجاعة لو زادت عن حدها اصبحت تهورًا والتهور يسلبكِ اعظم ما تخفيه، وهذا الضماد ..

-لن انتزعه.

-ان تتجردي منه كما لو انكِ تتجردين من رهابك للطيران فتسقطين على حليفك وتقتليه! لان الايليمنت ..

-لا يتقن الطيران، اعلم هذا.

قاطعتها على الفور وكأنها انشودة حفظتها تتردد على مسامعها منذ كانت طفلة، كان الصباح قد حل عليهم ولازالوا ينادونه بالصباح رغم انعدامه، فالصباح جاء من اول النهار والنهار ضياء وما من ضوء يجرؤ على لمس ارضهم ..

سولماجني؛ انتفاضة قزححيث تعيش القصص. اكتشف الآن