4- الطُعم في كهف الأسود

23 2 127
                                    

"الطُعم في كهف الأسود"

"إذا اشتدّت الرياحُ وارتفعت الغُبار، فالمصيرُ يَفْصِلُ عناءَ السَفر"

((صلى على الحبيب قلبك يطيب))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"يا ابنتي، قد غاب عمري في غيابكِ

وفي لقياكِ عاد القلب ينبضُ في ضلوعي"

............................................

وقف كمال كالجبل، عيناه مشتعلة بالغضب، يحدق في آدم بلا رحمة، نظرات بينهما كالسيوف، صافية وحادة، تحكي كل ما لم يُقال. مدّ يده نحو زهر، مشيراً بابتسامة مقتضبة: "مش هتسلمي على بابا ولا إيه؟" كلماته تحمل في طياتها مزجاً بين السخرية والجديه.

في تلك اللحظة، وقع نظر كمال على ابنته. فجأة، تلاشت الصلابة في وجهه، وسقط المسدس من يده. مشى بخطوات غير ثابتة نحوها، توقف أمامها وكأنه يرى شبحًا، عينيه تجولان في ملامحها، تلك التي طالما ظن أنها ماتت. كيف كبرت وهي بعيدة عنه؟ كيف نمت تلك الملامح التي كانت تعني له كل شيء؟ كانت عيناه تحكي شوق السنوات الطويلة التي عاشها يتجرع ألم فقدانها.

وبدون أن يدري، تجمع الدمع في عينيه، ثقيلًا، ساخنًا، وكأنه يطفئ شيئًا من نيران قلبه. كل ما استطاع قوله بصوت متهدج: "بنتي... بنتي".

في تلك اللحظة، نظرت زهر إليه. لم تستطع حبس دموعها، مشاعرها تفيض، سنوات من الأسئلة، الشوق، الغضب، كل ذلك غمرها. لم يكن بوسعها إلا أن تُلقى في أحضانه، بينما جذبها كمال إليه بقوة. ضمها إلى صدره، وكأنها هي النجاة الوحيدة بعد الغرق، ابنته التي ظن أنه فقدها، لكنها الآن هنا بين ذراعيه. سنوات من الندم كانت تشتعل داخله، لكنها الآن، بلمسة واحدة، بدأت تذوب في حضنها.

لم تعلم زهر كم من الوقت قضته في حضن والدها، فقد بدت اللحظة وكأنها أبديّة، تذوب فيها كل تفاصيل الألم والحنين. عندما ابتعدت قليلاً، نظرت إلى كمال بعيون مليئة بمزيج من العتاب والغضب، ثم قالت بصوتٍ عاتٍ وموجوع: "دلوقتي افتكرت إن ليك بنتك يا كمال.. فينك من زمان مفكرتش تدور عليا او تسال عني ؟"

تراجع كمال قليلاً، مشدوهًا، وكأن ضربات زهر كانت أقوى من أي رصاصة. تجمدت مشاعره في تلك اللحظة، بين الألم والندم. نظراته تعكس صراعًا داخليًا عميقًا، وملامحه كانت تعبر عن تفكك قلبه الذي كان محبوسًا بين الذكريات والواقع المؤلم.

بصوتٍ مختنق، قال كمال: "ما كنتش عارف... ما كنتش عارف إنك هنا... كنت مغلوب علي أمري ... قالو ليا انكي موتي مع امك . أنا آسف، كنت عايشه علي اني هلقاكي بس انا تعبت وما لقيتك يابنتي سامحني انا اسف يازهر سامحني يا سلطانتي تدفق الدموع من عينيه، بينما حاول أن يقترب منها مجددًا، مشدودًا برغبة عميقة في التعويض عن كل ما فاته. لكن في داخله، كان يعاني من ثقل الذنب والعجز عن تغيير الماضي.

عبر حدود المجهولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن