أعيش مع عائلة تتنقل بصورة ربما تعد كثيرة نوعا ما، عشنا في عدة منازل وتنقلنا عدة مرات، أحيانا في أماكن قريبة أو بعيدة، منازل أذكرها ومنازل لا أذكرها، أماكن استقر بنا فيها الحال لسنوات وأخرى لأشهر، في الإجازات الصيفية لا يكاد يمر علينا أسبوع واحد في نفس المكان أو المدينة أحيانا، تركنا في كل بيت ذكريات جميلة والحمد لله، مهما كان الوضع صعبا أو ضيقا بالنسبة لي شعرت بالرضا دائما والحمد لله، أحسب في نفسي صفة حب التغيير وأتطلع دوما لما يحمله الجديد..ارتبطت بعض الأماكن بمراحل معينة من الطفولة أو المراهقة، وبعضها بأشخاص معينين، وبعضها بظروف أسرية محددة، وبعضها بإجازات معينة، والآن ونحن في خضم البحث عن منزل جديد بعد أقل من ٣ سنوات من السكن في منزلنا الحالي أفكر..كيف هو حال الناس الذين ولدوا وعاشوا كل حياتهم في مكان واحد؟
حولهم نفس الأماكن، نفس الجيران، نفس المدرسة والزملاء والمعلمين، نفس أسراب الطيور وقطط الشارع، نفس الأشجار وإشارات المرور ولوحات المحلات..
لا أظن أن لدي المقدرة على فهم مدى معزة وعمق ارتباطهم بأماكن سكناهم، لقد تعلمت التخلي ودربت نفسي على تقبل التغيير دائما، على توديع القديم العزيز وداعا يليق به، ولكن دون تعلق شديد أو ارتباط كبير به، أحب الاستقرار لا أريد أن يفهم بأنني أفضل حياة الرحالة أبدا، ولكن مدى الارتباط بالأماكن والمجتمع من حولي لا يمنعني من التخلي أبدا ولو على مضض.
لذلك أتسائل.. كيف يشعر شخص بنى منزله بنفسه، وراقبه يرتفع عن الأرض طوبة طوبة، وتزوج فيه وربى أولاده فيه، وربما زوجهم فيه ولعب أحفاده في حديقته، زرع أشجاره بذورا ثم أكل من ثمارها لسنوات..
وبعد كل ذلك يُجبر على النزوح منه أو تركه؟
أو يراه يُهدم أمامه؟
أو ينبش بيديه أنقاضه لإخراج ماتبقى من عائلته التي دفنت تحت ركامه؟
كيف يشعر؟ كيف؟
هل هو خليط من الخيبة والحزن؟ الألم والقهر والغضب؟ الخذلان، فقدان المعنى؟
أحاول التخيل ولكن لا أظن أنني أنجح، أعرف فقط أن الأمر يغضبني ويجعل بركانا يثور في أعماقي بمجرد أن أتصور نفسي في ذلك الوضع، ولا أفهم أبدا ما الجزء الذي يُبتر من إنسان مر بتلك التجربة، وهل يتمكن أبدا من تعويضه؟
أنت تقرأ
ترقب
Short Storyتحت أشجار الصنوبر، وفي خضم زوبعات الحياة.. كثير من الأحداث، كثير من الأفكار، والآمال، والمخاوف،، أحاول استشفاف الشعور المسيطر عليّ، والنسيم البارد يهب كل فترة تصحبه زقزقة العصافير في المكان، ينبهني جمال الصوت إلى جمال المنظر، فألتقط صورة للذكرى وأسح...