الفصل السابع : "براءة" - الجزء الاول

16 2 8
                                    

كان الصمت في القاعة ثقيلًا، راقب ليو ويليام وهو يختفي في الممر البعيد، الممر الذي لم يلاحظه في البداية بسبب ضخامة المكان. عادت عيناه إلى الباب الضخم الذي دفعته فيليريا بسهولة. بدت عليه آثار القِدم، لكنه بدا وكأنه مصنوع من المعدن الصلب. كيف تمكنت من دفعه بتلك السهولة؟

تقدم نحو الباب بتردد، يضع كلتا يديه على سطحه البارد، محاولًا تحريكه. دفع بكل ما يملك من قوة، لكنه لم يتحرك. لا شيء.

"لقد فتحت فيليريا هذا الباب بيد واحدة... كيف لم أستطع حتى زحزحته؟"

أفكاره توقفت حين سمع صوت الباب يتحرك ببطء. تراجع بسرعة، وعيناه تتسعان عندما فتح الباب مرة أخرى بدون جهد يُذكر. من خلفه، ظهرت فيليريا، تدخل إلى القاعة بخطوات واثقة وثابتة. عيناها الباردتان لمحتا ليو بسرعة قبل أن تتجه نحو مكتبها دون أن تنطق بكلمة.

تسمر ليو في مكانه، وجسده متصلب. كما هو الحال دائمًا، شعر بتلك الرهبة التي تسيطر عليه كلما نظرت إليه. عينيه تلقائيًا انخفضتا إلى الأرض، غير قادر على مواجهة نظرتها. حتى جسده بدأ يتوتر وكأن ثقلها النفسي أكبر من قدرته على التحمل.

تقدمت فيليريا بخطوات باردة وهادئة، لكن تلك الخطوات كانت تحمل ثقل العالم بالنسبة لليو. وقفت أمامه للحظة، ينظر إليها دون أن يرفع عينيه، شعور بالتوتر يلف المكان.

لكن للحظة غريبة، شعر ليو أن هناك شيئًا مختلفًا. شيئًا لم يكن قد لاحظه من قبل. أمال رأسه قليلاً، يحاول أن يفهم ما هو. في خضم هذا الارتباك،راى بحقيقة مثيرة للسخرية.

"يا إلهي... إنها أطول مني؟" تمتم في نفسه وهو يشعر بالدهشة.

قطعت فيليريا أفكاره بصوت بارد: "أنت... قصير."

توقفت لوهلة قبل أن تتابع طريقها نحو مكتبها. جلست بهدوء، وأمسكت بالأوراق على الطاولة دون أن تبدي اهتمامًا بما يجري حولها. لكن تلك الجملة الوحيدة كانت كافية لجعل ليو يشعر بالحرج والارتباك. لأول مرة في حياته، شخص ما أشار إلى قصر قامته بشكل مباشر، والأسوأ من ذلك... كانت هي.

وقف في مكانه، محرجًا، وقلبه يخفق بسرعة. قصير... إنه يعلم أن مرضه جعله هكذا، لكنه لم يتوقع أبدًا أن يكون ذلك محل ملاحظة أو تعليق.

استدار ببطء ونظر إلى فيليريا، التي كانت قد استأنفت عملها بالفعل، وكأن شيئًا لم يحدث. حاول أن يستجمع شجاعته، وتقدم خطوة أخرى نحوها، محدقًا في صمتها. هناك شيء لا يمكنه تجاهله، فضوله حولها بدأ يتسلل إليه رغم خوفه.

"معظم من يراني أقتل أحدهم لا يستطيع النظر في وجهي مجددًا... وأنت لم تحاول الهرب حتى."

تردد ليو للحظة عند سماع كلماتها، فاجأه حديثها. لكن نبرتها لم تتغير، كانت هادئة كالعادة، باردة... ولكنها حادة، وكأنها تعرف كل شيء عنه.

رد بصوت خافت، "لا أملك مكانًا أذهب إليه..."

تقدم خطوة أخرى نحوها، ثم أضاف بشيء من التوتر، "قال ويليام إنني أتيت إلى هنا بأمرك، وإنك الوحيدة التي تعرفين السبب."

التقت أعينهما للحظة، وكانت عيني فيليريا، كما هي دائمًا، لا تكشف شيئًا عن أفكارها. ثم قطعت الصمت ببطء: "أنت ستعمل هنا... ولكن ليس لصالح الفوركن."

تفاجأ ليو للحظة، وكاد أن يسأل، لكن فيليريا استدركت ببرود قبل أن يفتح فمه: "لصالحي أنا"

ارتبك ليو، وعيناه تتسعان في دهشة: "لصالـ...؟"

قاطعت أفكاره مرة أخرى، "أتعرف من أنا؟"

تردد ليو، الكلمات علقت في حلقه. يعلم من هي، لكنه لم يكن مستعدًا للإجابة. وقبل أن يرد، تابعت بصوت بارد كالجليد: "أنا المؤسسة الرئيسية لأهم الشركات في العالم. رغم أن كل شركة لها مديرها، إلا أنني الوحيدة القادرة على طرح أوامر جديدة. في أي لحظة أستطيع تدميرها إن أردت، دون تدخل من أحد. وأنا أيضًا زعيمة الفوركن... أتحكم بالحكومة، وأتحكم بالشرطة. تعرف ماذا يعني هذا؟"

شعر ليو بالاختناق من هول الكلمات، لكنه حاول الرد بتوتر: "أ-أنتِ... عظيمة؟"

نظرت إليه بنظرة باردة أخرى وقالت: "لا أفتخر هنا... إنها مجرد حقيقة."

ظل ليو مترددًا، التوتر يسيطر عليه تمامًا. صوتها كان كافيًا ليربكه.

"الجميع يريد منصبي. وأنا تحت التهديد الدائم، خاصة من الذين يسعون للسلطة. أظنك تفهم ما أعني..."

فهم ليو تمامًا ما تعنيه، لكن عقله لم يستطع أن يتقبل ما يعنيه ذلك بالنسبة له. قبل أن يستطيع التفكير أكثر، قاطعته فيليريا بصوت هادئ: "لا أستطيع الوثوق بأحد. لكنك... تبدو مختلفًا. أستطيع أن أمزقك إلى أشلاء في لحظة دون جهد... ومع ذلك، تبدو بريئًا."

شعر ليو بالرعب يتسلل إلى عروقه. لكنها لم تنتهِ بعد.

"ستصبح... زوجي."
"ل-لحظة!!! ماذا!!؟"

قلبت الادوارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن