- في العاصمه :
- يجلس رهيّب فوق إحدى الكراسي المتواجده بالممر الطويل للمستشفى مُنحنيًا بجسده إلى الأمام يمسك رأسه بين كفيه يغمض عيناه وثغره لا يتوقف عن قول " اللهم آجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيرًا مِنها "
لم يشعُر من قبل بهذا العجز ولم يمتحنه الله كهذا الأمتحان يشعر وكأن جبل قد هُد فوق رأسه ومبنى يتكون من تسعون طابق قد سقط جميعهم فوق قلبّه !
يالله أن كان لهذا الرجل رجاءٍ وحيد هو أن تحفظ لهُ تلك الأُنثى النائمه في الداخل
ماذا عن طفله المتحمس للقدوم لهذه الدُنيا ؟
يُريد أن يأتي في بدايات شهره الثامن !
أوليس الجميع يقولون بأن الطفل المولود في شهره السابع صحتهِ ستكون أفضل من الطفل المولود في شهره الثامن ؟
وذلك يعود لسبب المشكلات العديدة أولها مُشكله في التنفس لعدم إكتمال الرئه !
إيضًا يكون مُعرضًا للعدوى بسبب ضُعف الجهاز المناعي
ومشكلات أخرى مثل الأنيميا لعدم إكتمال الخلايا الدمويه
ولا ننسى إيضًا أن الطفل مُعرضًا للإصفرار
أن كُل هذه الأحتمالات ما قالهُ طبيب النساء والولاده لـ رهيّب ولم يُخفى عليه الحقائق الآخرى بل أخبره بالخطوره القصوى التي تُهدد حياة ريتاجّ فأصابتُها بنوبة الربو الحاده قد يمكن أن تسبب لها الوفاه !
وها هو رهيّب يلوم نفسه بشده لتهاونه " في إصلاح باب الخزانه الخشبي الذي سقط عليها مُباشرةٍ فوق منطقة الصدر والبطن "
خصوصًا أن نوبات الربو أثناء فترة الحمل قد تخفض مُستويات الأكسجين في الدم ، مما يُقلل من كمية الأكسجين التي تصل إلى الجنين النامي ونتيجةٍ لذلك من المرجح أن يولد الطفل مُبكرًا وينخفض وزنه عند الولاده ويتطور ببطء
وجميع هذه الأحداث الحساسه في وضع ريتاجّ والجنين هي ما جعلت مستوصف مُفترق القُرى يقوم بنقلها إلى مستشفى العاصمه فحالتها الحرجه تحتاج إلى أطباء ذو خبره عاليه ورعايه تفوق رعايه المستوصفات الطبيه الصغيره- أستشعر رهيّب جلوس إحدى الأشخاص إلى جانبه ليرفع رأسه بعينان غائمه تحتقن بالإحمرار الشديد وأوداج عُنقه البارزه وحتى صدره الذي يعلو ويهبط من فرط خوفه ينظر إلى جواد حين ربّت على كتفه بقوه : رب العالمين أرحم عليهم منك ، الله لا يبلغك في ريتاجّ وفارس إلاّ كُل خير ، مهب وقت تضعف الضعافه ما ندانيها يا رهيّب خلّك قوي عشانهم !
- اتكأ رهيّب برأسه على الجدار وهو يزفر تنهيده نابعه من أعماقه ، بينما قال جواد مُجددًا : متى دخلوا العمليات ؟
- أجاب بنبره بائسه : ساعه وعليها ، مدري متى بتخلص العمليه على حسب المُضاعفات .
- كتم جواد حُزنه الشديد لهذه النهايه المأساويه ، ولكن هذا ليس وقت الضعف لا بُد أن يحاول دعم أبن عمه بجميع جوارحه وأن يبقى قويًا إلى جانبه لعّل رهيّب يستمد قوته منه ولو قليلًا : رح غسل وجهك وتعال ، لا تحاتي أنا بنتظرهم هِنا .
- وقف رهيّب بقلبٍ مُثقل حتى أن خطواته البطيئه قد كانت دليلًا كافي لأعاصير القلق التي تلتف حول روحه ، حتى أختفى عن أنظار جواد تمامًا وهو يولج إلى القسم الخاص بالحمامات والمغاسل
ثم عاد بعد ما يُقارب العشر دقائق تقريبًا لتُشل أقدامه عن الحركه ويتصاعد نبضه حتى كاد أن يختنق به ، وهو يقف على بُعد أمتارًا بسيطه من ذلك المهد الزجاجي الشفاف الخاص بالأطفال حديثي الولاده ، يتمعن النظر في ذاك الجسد الصغير للغايه وصوت بُكاءه الطفولي يعلو وينخفض تارةٍ وتاره
يالله فارس الصغير قد أتى !
سميّ الصديق الغالي .. طفله الأول !
بينما جواد كان يُشاركه هذه المشاعر ورُبما أضعافها ! كان يشعر أن هذا الطفل طفله هو أيضًا وليس طفل رهيّب فحسب !
حتى أن عيناه قد أمتلئت بالدمع ليبدو بمظهر عاطفي للغايه ضابط طولًا وعرض يرتدي بذلته العسكريه يكبح دمع عينيه بصعوبه لرؤيته لهذا الطفل !
يختلج جوفه بكمية هائله جدًا من الأحاسيس الغريبه
لما يشعُر أنهُ وأخيرًا قد أصبح أب ؟
ما ماهية هذا الشعور الذي يُعذبه بُبطئ !
ضبط أعصابه يرغم نفسه للتراجع خطوه إلى الخلف يضع حدودًا كي لا ينجرف خلف زوبعة هذا الإحساس المُهلك وهو يستدعي قوته الداخليه ولكن صوت رهيّب اوقفه عن التراجع أكثر قائلًا ببحّة صوته الجهوري : لا تستهين بمكانتك في حياة ولدي !
أنا ما أمانع تكون أب لأولادي بالعكس أتشرف ياجواد
ولا تفكر بأن حُزني اليوم بينسيني عهدي لك ، أنت الأب الأول الذي أبغاه يردد الأذان في سمع فارس ، أنا لا يمكن أقبل بشخص يشيل هالطفل ويحتضنه قبلك أنتَ ياجواد ! حتى لو كان هالشخص أنا !
- تصلب جسد جواد ونضحت مشاعر أبويّه بحّته على تقاسيم وجهه يرمق رهيّب بنظرة شُكر جزيل وإمتنان يفوق حجم هذه الكره الأرضيه
ثم يقترب من المهد الشفاف يسمح لنفسه بلمس هذه الكف الصغيره وسُرعان ما أرتفع صوت بُكاء فارس وهو يقبض على سبابة جواد بأنامل كفه ونعومة أظافره فــ يدنو جواد برأسه قليلًا حتى أصبح على قُرابة شديدة من سمع فارس ويردد الأذان بكُل هدوء بالرغم من مشاعره الجياشه في هذه اللحظه
أنت تقرأ
" أُمطري على الهجر ليّن ينبُت وصّال "
Mystery / Thrillerمن علم إيديك تصبح للمُهاجر بلد ؟ الشمس والليّل وأكواب المساء تحتريك وعلى مدار السنه ما ينتظرني أحد !