خط طويل

271 11 81
                                    

وقف عبدالإله ينظر إلى صالح، الذي بدا كالعادة في أبهى حلة، مرتديًا زيًا ذو الألوان الهادئة اللطيفة، مع ابتسامة مشرقة تعكس إشراقة الشمس. كانت عينيه اللطيفتين تحملان بريقًا خاصًا، وكأنه قد عاد من عالم مثالي، بعيدًا عن الآلام والمآسي. لكن على الرغم من أجواء الفرح واللقاء، كانت في قلب عبدالإله مشاعر متضاربة.

لم يكن من السهل على عبدالإله أن يبتعد عن التفكير في تلك المآسي التي عاشها. كان يرى صالح ككائن مثالي، كائن لا يمكن أن يتأثر، مهما كانت الظروف، مما كان يزعجه بشكل عميق. "كيف ممكن يكون كل شيء حلو عنده؟" تساءل في نفسه، بينما كانت نظراته تراقب تفاصيل صالح، كل شيء من ملامحه الهادئة إلى تلك الابتسامة التي لا تفارق وجهه.

مع كل ابتسامة من صالح، كان عبدالإله يشعر بالثقل يزداد في قلبه. كان يحاول جاهدًا أن يتقبل ذلك الشعور بالاختلاف بينهما. بينما كان صالح يبدو كأنما لا يواجه أي عواصف، كان عبدالإله غارقًا في صراعاته الداخلية، يحاول فهم نفسه والمكان الذي ينتمي إليه.

"ليه   أنا حالتي حالة وهو بهاذي الصورة المثالية؟" كان هذا التساؤل يتردد في ذهنه، مثل صدى يؤلمه. كان يعرف أن صالح ليس آلة، بل إنسان، لكنه لم يكن قادرًا على كسر تلك الصورة التي وضعها في ذهنه عن صديقه المثالي، مما جعله يشعر بالضعف وعدم الأمان.

كانت اللحظة التالية هي الأصعب، حيث كان الطريق طويلًا من جدة إلى الرياض، مما يعني أن صالح وعبدالإله سيكونان وحدهما مجددًا. كان الجو مشحونًا بالتوتر بعد الموقف العصيب الذي شهداه على متن القارب، وكأن كل واحد منهما يحمل في قلبه طاقة ثقيلة لا يعرف كيف يتخلص منها.

عند دخول السيارة، انتشر الصمت بينهما كالسحاب الداكن، وبدا وكأن كل الكلمات التي كان بإمكانهما قولها قد تبخرت في الهواء. نظر عبدالإله إلى صالح، الذي كان يجلس بجانبه، وعندما لمح عينيه، رأى فيهما مزيجًا من الحزن والحذر. كان ذلك التألق البارد في عيني صالح يذكره بالأوقات التي كان فيها صديقه مليئًا بالثقة، لكن اليوم كانت الأمور مختلفة.

عبدالإله حاول أن يتجاهل الخفقان المتزايد في قلبه وهو يضع يده على المقود. كل حركة يقوم بها كانت تبدو وكأنها تترافق مع سحب من التوتر الذي يثقل كاهله. أخرج أنفاسه الثقيلة وكأنه يحاول تحرير نفسه من مشاعر الخوف والقلق التي كانت تأخذه إلى دوامة من الأسئلة

كان الطريق الصحراوي الطويل يمتد بلا نهاية، كخط مستقيم يقطع هدوء الصحراء الواسع. رمالها الذهبية تتلألأ تحت أشعة الشمس، بينما كانت الجبال الشاهقة تتناثر في الأفق، تعكس ظلالها الداكنة على الأرض. كان الهواء حارًا، يملؤه رائحة الربيع، ويعكس شعور العزلة الذي يسود المكان.

كان صوت المحرك يتردد في الهواء، مُحدثًا صوتًا منخفضًا يختلط مع همسات الرياح التي تعصف بالرمال. كانت تلك الهمسات بمثابة موسيقى خلفية، تخفف من حدة التوتر في السيارة. بينما كانت السيارة تسير، كان صوت العجلات يختلط بأصوات الطيور المهاجرة، مما يضيف لمسة من الحياة إلى هذا المشهد الهادئ.

hug me !  |   !عانـقنيِ Where stories live. Discover now