صمتٌ

354 9 31
                                    

قبل سبع سنوات من الوقت الحالي
كان صالح جالسًا على طاولته الخضراء، يكتب ملاحظاته بدقة متناهية. درس المصفوفات يتطلب تركيزًا عالياً، ومع أستاذ الرياضيات السيء الذي بالكاد يشرح الأمور بشكل واضح، كانت الملاحظات هي طريقته الوحيدة للفهم. لم يكن الكثير من الطلاب قد حضروا اليوم، ستة طلاب فقط، وصالح هو السابع. كان يوم الخميس، والجميع يفضل الغياب في مثل هذه الأيام، لكن صالح كان يختلف. كان يسعى دائمًا لفهم كل صغيرة وكبيرة، وكان يملك قائمة طويلة من الأسئلة في ذهنه يريد أن يسألها.

وسط هذا الهدوء، اقتحم الفصل معلم عشوائي، صوته الجش وقوله "يلا يا ثاني اثنين بنجمعكم مع ثاني واحد قومو" كسر كل الهدوء الذي كان صالح يعيش فيه. استسلم بقية الطلاب على الفور، زفروا بتذمر وخرجوا مسرعين إلى الفصل الآخر، بينما ظل صالح يتحقق من أغراضه بعناية، كما اعتاد. كان دائمًا يهتم بالتفاصيل الصغيرة، التأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح كان جزءًا من شخصيته.

ببطء، أخذ صالح حقيبته وتوجه نحو الفصل الآخر. دخل بسلام وهدوء، نصف الدرس قد مضى بالفعل، وشعر بأن الجميع كان يحدق فيه للحظة. رأى المعلم التفاتة سريعة عندما دخل، وبحث عن مكانٍ له، ثم جاء الصوت الغاضب من المعلم وهو يزفر عندما رأى طالبًا في الخلف مستلقيًا، يشغل ثلاثة كراسي لينام.

التفت صالح ورأى المشهد: طالب طويل، ملفوف بالشماغ الأحمر، نائم بعمق وسط الضحك المكتوم من بقية الطلاب. زفر صالح بنفسه، عقد حاجبيه بانزعاج، "من ذا  البزر؟" فكر في نفسه. كان من الواضح أن هذا الطالب، عبدالإله، لا يبالي بما يحدث من حوله.

صرخ المعلم مرة أخرى، "عبدالإله!!!" بصوت مليء بالنفاذ صبر. استيقظ الفتى أخيرًا، يتثاءب ببطء، وكأنه كان يعيش في عالم آخر. ثم جاءت المفاجأة، المعلم طلب من صالح أن يجلس في الخلف، بجوار عبدالإله.

كان صالح مترددًا، لكنه اتجه ببطء نحو المقعد بجانب عبدالإله. بمجرد اقترابه، رأى عبدالإله يفتح عينيه ببطء وينظر إليه. كان اللقاء الأول بينهما. "وش قاعد يطالع فيه؟" فكر صالح.

ورغم أن الجو كان مليئًا بالضجيج حوله، شعر صالح بشيء غريب عندما التقت عيناه بعيني عبدالإله. "وش قصته؟" تساءل في صمت، وهو يجلس بجانبه، محاولاً تجاهل كل تلك الفوضى التي يشعر بها داخله.

نظر عبدالإله إلى صالح بذهول واضح، رافعًا حاجبيه وكأنما قد اكتشف شيئًا جديدًا تمامًا. لم يسبق له أن رأى هذا الفتى من قبل، كان وجهه ناعم الملامح، وجميل بطريقة غير معتادة. بدت عيناه وكأنهما تلمعان بهدوء غريب، وشعره الداكن منسدل بطريقة مرتبة فوق جبينه. ، هذا ما فكر به عبدالإله بينما كان يفرك عينيه ببطء ليزيل أثر النعاس.

بينما كان يتأمل وجه صالح، خطرت ببال عبدالإله فكرة بسيطة: " لطيف." لم يكن معتادًا على مثل هذه الأفكار. كان الأمر مثيرًا للفضول، كيف يمكن لشخص أن يبدو بهذه الراحة واللطف وسط جو مليء بالفوضى؟

hug me !  |   !عانـقنيِ Where stories live. Discover now