عودةَ !

453 16 0
                                    

صالح استيقظ كعادته، بكامل الهدوء والنظام. كان الوقت مبكرًا، والشمس بالكاد بدأت تلقي بأشعتها الذهبية عبر النافذة. فتح عينيه ببطء، ثم نفض عنه غطاء السرير المرتب بطريقة مثالية وكأنه خرج للتو من إعلان عن الفنادق الفاخرة. اتجه بخطواته المعتادة نحو الحمام. كل شيء هنا تمامًا كما يحبه: المناشف مطوية بعناية، صابون الاستحمام في مكانه المخصص، ومرآة لامعة تعكس ابتسامته الصباحية المشرقة.

تحت رشاش الماء الدافئ، شعر صالح بالراحة. هذا هو وقته الخاص، بعيدًا عن الضوضاء والفوضى التي كانت تطارده دائمًا في علاقته السابقة. انتهى من الاستحمام وارتدى ملابسه التي سبق ورتبها الليلة السابقة - قميص مكوي بدقة وسروال لا يوجد به أي تجعيدة.

المحطة التالية؟ المطبخ! آه، المطبخ. كان مطبخ صالح أشبه بلوحة فنية؛ كل شيء في مكانه بدقة مثالية. الأواني المعدنية تتلألأ، السكاكين مرتبة وفقًا لأحجامها، والتوابل مصطفة وكأنها في عرض عسكري. بدأ صالح بتحضير فطوره المفضل، وكل شيء يجري كما ينبغي: البيض المطهو بشكل مثالي، الخضار الطازجة مقطعة بدقة جراحية. أثناء تحضيره للفطور، كان يراقب مطبخه وكأنما يقول لنفسه "هذا هو المكان المثالي لي". شعور الرضا كان يغمره، كأنه يسير في عالم من السكينة والترتيب الذي لا يعكره شيء... تقريبًا.

ولكن... تبًا. فجأة، ومن دون سابق إنذار، تسلل إلى ذهنه اسم: عبدالإله. حبيبه السابق. ذاك الفوضوي الذي كان نقيضه تمامًا. كيف كان عبدالإله يرمي ملابسه في كل مكان؟ وكيف كان يترك الأواني متسخة في الحوض وكأنها مجرد تفاصيل صغيرة لا تستحق التفكير؟ شجاراتهم كانت لا تنتهي حول هذه الأشياء. "أرفع ثيابك!"،
"نظف هذا !"
، "ليه ما ترتب وراك!!؟ "
كلها كلمات كانت تتردد يوميًا بينهما. مجرد تذكر تلك الشجارات جلب لصالح صداعًا شديدًا. شعر وكأن راحته هذه الصباح بدأت تنسحب ببطء تحت تأثير تلك الذكريات المزعجة.

"يا الله... كيف كنا نتحمل بعضنا ؟" تمتم صالح بينما كان يضع صحن الفطور على الطاولة المرتبة بدقة. مر سنتان منذ آخر مرة تحدث فيها مع عبدالإله. كان الانفصال حتميًا بعد كل تلك الفوضى، لكن الغريب في الأمر أنهما استمرا في التمثيل أمام أصدقائهما. كانوا يظهرون أمامهم وكأنهما زوجان سعيدان، رغم أن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا. كل شيء بينهما أصبح سطحيًا. مجرد قشور تخفي تحتها براكين من التوتر.

صالح جلس على الطاولة وبدأ يتناول فطوره. وبينما كان يضع اللقمة في فمه، شرد ذهنه مجددًا إلى تلك الأوقات التي قضياها معًا. عبدالإله، رغم فوضويته، كان له جانب لطيف... لكن هل يكفي اللطف ليغطي على كل الفوضى؟ ربما، وربما لا.

استمر صالح في تناول فطوره، محاولًا أن يعيد توازنه الداخلي ويطرد تلك الأفكار التي تسللت إلى صباحه المثالي. "لازم أركز بالوضع الحالي"،

hug me !  |   !عانـقنيِ Where stories live. Discover now