تَقرَّب

273 11 27
                                    

بعد مرور يومين على عودتهم إلى الرياض، وفي صباحٍ بارد قبل شروق الشمس، كان صالح يركض في شوارع المدينة الفارغة. الهواء الشتوي البارد يلفح وجهه، لكنه كان مرتاحًا في هودي رمادي يغطي رأسه وشورت أسود. خطواته كانت ثابتة، وصوت أنفاسه المتناغم مع وتيرة الركض يملأ الصمت الذي يحيط به
المدينة، التي كانت تعج بالحياة في الصيف، بدت الآن ساكنة تحت تأثير البرد، مما منح صالح لحظات من الهدوء للتفكير بعمق. كان يشعر بالحرية، بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية، ومع كل خطوة يقطعها كان يطرد معه القلق والتوتر.

بينما كان صالح يركض في الصباح الباكر، قبل أن تشرق شمس الرياض، لم يكن الهواء البارد الذي يلسع بشرته هو ما يثقله، بل كانت أفكاره. وقع خطواته المنتظمة على الشارع الفارغ كان يوازي السباق الذي يجري داخل عقله. فكرة العودة لعلاقته السابقة مع عبدالإله كانت تعيق تفكيره بشكل كبير، وتحاصر مشاعره المتضاربة.

لقد أحب عبدالإله بعمق، وهذا كان واضحًا. حتى الآن، بعد سنتين طويلتين من الفراق، لم تختفِ تلك المشاعر، بل غاصت في الأعماق، تنتظر اللحظة المناسبة لتطفو على السطح. ولكن مع الحب، جاء ثقل الجروح القديمة. لم يستطع صالح نسيان الإحباطات، اللحظات التي شعر فيها بأنه غير مسموع أو غير مفهوم. الألم كان لا يزال حيًا، وفكرة إعادة فتح تلك الجروح كانت ترعبه.

زادت وتيرة أنفاسه بينما زاد من سرعته، محاولًا الهروب من أفكاره. "هل أنا مستعد ؟" سأل نفسه. تدفقت ذكريات شجاراتهم إلى ذهنه تلك الأمور الصغيرة التي كانت تتضخم، الأوقات التي شعر فيها بأنه صغير أو غير مهم، محاصرًا تحت وطأة توقعات عبدالإله.

ومع ذلك، كان هناك شيء لا يقاوم في فكرة العودة لهذا الحب. عبدالإله كان يحاول الوصول إليه من جديد، مُظهرًا اهتمامًا حقيقيًا ووعدًا بالتغيير، وجزء من صالح أراد أن يصدق ذلك. الطريقة التي تحدث بها، الطريقة التي حاول بها إظهار مشاعره مجددًا كانت تجلب له ومضات من الأوقات الجميلة التي عاشها، عندما كان حبهما غامرًا وجميلًا.

لكن دائمًا كان هناك ذلك الصوت الخافت في أعماق عقله. "طيب لو ما تغير شيء؟"
ماذا لو كانت العودة تعني فقط الوقوع في نفس دائرة الألم وخيبة الأمل؟ كان صالح يخشى أن يفقد نفسه مجددًا، أن يفقد الاستقلالية والاستقرار الذي بنى عليهما حياته خلال السنتين الماضيتين.

مع مرور الهواء البارد في رئتيه، خفف من سرعته، موازنًا خطواته مع أفكاره. كان يشعر بالتوتر الذي يشده من الداخل—بين الأمل والخوف، بين الرغبة في الحب والحاجة إلى حماية نفسه.

وصل صالح إلى شقته الواقعة في فندق قريب من شركته، حيث انتقل إليها بعد أن ترك العيش في منزل عبدالإله. كانت الشقة تعكس تمامًا شخصيته وهوسه بالنظام. كل شيء فيها مرتب بعناية، من الأثاث العصري البسيط إلى الألوان الهادئة التي اختارها بعناية لتكون مريحة وهادئة. كان المكان يخلو من أي فوضى، كل شيء له مكانه، حتى الأدوات الصغيرة في المطبخ كانت مرتبة بدقة.

hug me !  |   !عانـقنيِ Where stories live. Discover now