صَـرير

896 51 77
                                    


أَيوحِشُني الزَمانُ وَأَنت أُنسي؟













في وسط أزقة سوق الحويش القديم، تحتفي مكتبتهِ بعشوائيتها الفاتنة حيث تراكمت كتبُ الزمنين العتيق والحديث، على رفوفٍ قد نالت منها يد الغبار، حتى بدت كمعبدٍ مهجور أفرط في استقبال العارفين، الكتب هنا تتراص تبدو كأجسادٍ غافية في فوضىٍ منسابة، بعضها مائل وآخرٌ قائم، كأنها أرواح ضائعة تبحث عن قُرّائها، جدران المكتبة تعلوها صمت الساعة الجدارية القديمة التي مضى زمنها و بقيت تراقب بعين زجاجيةٍ جامدة

وفي زاوية، يتربع دولاب بزجاجِ نوافذهُ المشروخ احتوى بداخله بقايا التاريخ المُهمل حيث تصطف الكتب وكأنها تعزف نغمةً صامتة عن الأيام التي عبرت من خلالها أما في منتصف المكتبة، فتنتصب طاولتهِ كالعرش في قصرٍ ملكي، يطل على كل تلك الفوضى، مراقباً مجد المعرفة وكآبتها

ومن خلال النوافذ المطلة على السوق، تلوح حركة المحال التجارية التي تبيع المستلزمات المدرسية، وكأن زخم الحياة الحديثة تضرب بجذورها في عالمٍ مختلف،
يمر الزبائن سريعاً

حيث تهب الرياح نسمات من عبق التاريخ وتراث الفقهاء، تلك الازقة المليئة بالسكينة الصاخبة التي يتردد فيها صدى الأرواح قبل الأصوات، ترسل شمس الأصيل خيوطها الذهبية على سقوف المحال البسيطة، تروي الأزقة الضيقة والملتوية، كأنما هي تعبيراً مضني عن التواءات نفوس أهلها!





جالساً بين رفوف مكتبتهِ الصغيرة عيناه تتأملان صفحات كتابٍ قديمٍ عن الفقه، يبحر في بحر من التساؤلات لا يعرف لها مرفأ، لطالما شعر بغرابة تلك الأفكار التي تخالج صدره منذ صباه لا يعي تماماً أن يضع لها اسماً أو سبباً، وكأنها لحنٌ محرّم يعزف في صدره دون أن يُسمح له بسماعه فهو قد
نشأ في بيتٍ تسوده العبادة والتقوى، حيث تغلغلت تعاليم الدين في أركان حياته كلها

لم يكن يعرف من الدنيا إلا ما أخبره به العلماء والكتب التي رصّها بعناية على رفوف مكتبة أبيه الراحل

وبينما كان يقلب الصفحات بيدٌ حانية، شعر بوجود شخص خلفه استدار سريعا كان الأكبر، يقف في بقعتهِ طويلاً هادئًا، وناظرهُ مُعلق بالأرفف العالية

"گواك الله ، شلونك عمو اصفهان"قطع الصمت الصوت الغليض يلقي سلامه برتابه يتدنو نحو الداخل بهدوء يناظر الأصغر ببشاشة




"هلا حياك الله عمي.. اتفضل اتفضل"أجابه آصفهان بتبسم يُغلق كتابة متقدماً من بقعته الأكبر، مُرحباً بهِ بحفاوه



آصفهانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن