يُخيّل ليّ أن الإنسانَ، حين يداهمهُ هلاكٌ لا سبيلَ إلى تحاشيه، يشعر عندئذ برغبة لا تقاوم في أن يقعد مغمضاً عينيه وليحدث ما يحدث!
"لااا.. كـ.. كافي"
كأن الضباب يلف المكان ويحجب كل ما حوله، كان مستلقياً وسط فوق فراشِ آثامه ، لا حس سوى نبضاتُ قلبه التي تتردد كإيقاعٍ محرم، شبقاً يكاد يجن من فرط الشعور الذي استحوذ على جوارحه من لذيذ الذنب الذي يمنحهُ له الرجل الضبابي، عالمٌ خفي يظهر تارة ويختفي تارة، وكأن الزمن يلعب بمحيّاه، اقترب الضبابيّ منه مغدقاً عليه من نعيم الاثم، قُبلات حانية وزعها على طول خط العنق حتى تسللت سريعاً إلى صدره، وكأنها وابلٌ من السهام الخاسرة، كان الرجل يمثل شيئًا عميقًا، مجهولًا كأنه انعكاس لرغبات ظلّ الاصغر جاهداً إخفاءها وانكارها منذ زمن
"بس لسانك ينطق شي، وجسمك ينطق شي ثاني؟ "
همس بشبق غريب من بين سهامهِ الرطبة التي غرزت جسد الاصغر الذي ارتجف قلبه مانحاً اياه شعوراً بالرهبة واللذة استولت عليه، وكأن الجاذبية تشده نحو هاوية لا نهاية، أجساد متقاربة، أنفاس تتلاحم، حرارة تسري في العروق، ورغبة محرمة تسيطر على كيانه، تلى الضبابيّ آخر آياته
"انا انعكاس لروحك، اخلع ثوب الحياء و لا تجهد نفسك اكثر من طاقتها...
ضوءًا قويًا مزّق ستار الظلام، استيقظ مرعوبًا، يتصبب عرقًا، نبضاته تتسارع وكأن قلبه يود الانفجار، أذان الفجر الذي جاء كنداء سماوي من الحرم الشريف، ليعيده إلى وعيه وإيمانه، "الله أكبر" تردد في أذنيه كجرس إنذار، فاستدار في سريره وهو يتمتم بتنهيدة مرعوبة
"أستغفر الله... أستغفر الله العظيم"
"حلم ايش هذا ياربي"نهض من سريره مسرعاً، هارباً من كوابيس الاثم التي تلاحقه، جلس على الأرض بوجل، وضرب جبينه بكفيه، محاولًا محو بقايا الحلم الذي لم يستطع نسيانه. أخذ يتلو استغفارًا تلو الآخر، لعلها تُطفئ نار الشبق التي أشعلت داواخله!
تسللت خيوط الظهيرة من النوافذ، لتغمر الغرفة بنور خافت، كان جالساً على حافة سريره، تتلاعب بخاطره صور تلك الليلة المليئة بالهمسات والأفكار الآثمة ارتعش قلبه، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخطة
تنهد، مُحاولًا طرد ذلك الإثم والألم الذي سكن برأسه، مغادراً مكانه بخطوات وئيدة، كأنما يتسلق دربًا وعرًا نحو النور. توجه نحو الصنبور، فاتحاً اياه، تدفق الماء كأنين السماء بعد جدب طويل، انحنى نحو حوض الغسيل، وغسل وجهه برفق وهمس بهدوء