لك أيها الغريب..

23

مرحبا ايا رفيق الغريب، وعذرا على طول الغياب

الكلام لا ينتهي ولو انتهت الأحاديث، ام العكس صحيح؟

هل جربت في لحظات يومك ان تتأمل الكون من حولك؟
لعل الكون كلمة... مبالغ بها في ظل السؤال المطروح، لنقل المكان من حولك
هل تأملت وجوه المارة بينما تسير بين الشوارع و الازقة
ثم هل أدركت ان لكل من هؤلاء، عالمه الخاص
كأن له كونا له وحده

أفكاره مشاعره الامه و آماله و أحلامه، أصدقائه عائلته، ماضيه حاضره و مستقبله
كل شخص منهم هو قصة متكاملة بحد ذاتها
بالكثير من الدروس، نجاحات، اخفاقات، خيبات، انكسارات
كلنا عِبَر

ثم هل أدركت انك جزء من هذا الكون يا صاح؟
احيانا.. في خضم الفوضى وهذه الحياة المتسارعة، ننسى حقيقة الأمر
نستصغر كينونتنا جدا يا رفيق، فنجد الكثير يرغب في التخلي عن ما تبقى له من ايام على هذا الكون الصغير

إذ يظن ان وجوده لا معنى ولا فائدة تذكر له
يمكنني أن اسرد لك سطورا طوال في هذا الصدد، لكن و كمحبة للشعر افضل ان استعير قصيدة تروي قصة
قصيدة الحجر الصغير لشاعرها إيليا حيث يقول..

سمع الليل ذو النجوم أنينا ... وهو يغشى المدينة البيضاء

فانحنى فوقها كمسترق الهمس ... يطيل السكوت والإصغاء

فراى أهلها نياما كأهل الكـ ... هف لا جلبة ولا ضوضاء

ورأى السدّ خلفها محكم البنيان ... والماء يشبه الصحراء

كان ذاك الأنين من حجر في السد ... ّ يشكو المقادر العمياء

أيّ شأن يقول في الكون شأني ... لست شيئا فيه ولست هباء

لا رخام أنا فأنحت تمثا ... لا، ولا صخرة تكون بناء

لست أرضا فأرشف الماء ، ... أو ماء فأروي الحدائق الغنّاء

لست دُرًّا تنافس الغادة الحســـ ... ـــناء فيه المليحة الحسناء

لا أنا دمعة ولا أنا عين، ... لست خالا أو وجنة حمراء

حجر أغبر أنا وحقير ... لا جمالا ، لا حكمة ، لا مضاء

فلأغادر هذا الوجود وأمضي ... بسلام ، إني كرهت البقاء

وهوى من مكانه ، وهو يشكو ... الأرض والشهب والدجى والسماء

فتح الفجر جفنه... فإذا ... الطوفان يغشى ((المدينة البيضاء)

فكما ترى يا رفيق درب الحياة، استصغر ذلك الحجر كيانه و استحقر ذاته، فراح يقارنها بغيرها وينسب لهم المجد ويثني على عظيم الفائدة منهم
بينما يزيد في استحقار ذاته وبخس حق نفسه
حتى انتهى به الأمر اخيرا لقرار لارجعة فيه، فغادر ظنا منه أن أحدا لن يلحظ غيابه،وان شيء لن يتأثر بخواء مكانه

كان ذلك الحجر الصغير ليندهش ان أدرك عِظم الخسائر التي تسبب بها فقده
لكن الأوان قد فات بالفعل
كثيرا ما ندرك كم كنا مخطئين فقط حين يفوت الأوان، حين يكون الوقت متأخرا لتصحيح ما ارتكبنا من أخطاء

لذلك من المهم دوما ان نراقب اين نخطو، واين تخط الأفكار التي بداخلنا
للافكار مصيران مهما تأخر
اما ان تتلاشى وتصبح مجرد ذكرى عفى عليها الزمن
وإما ان تغدوا واقعا يعاش
فراقب أفكارك ،وأصلح ذاتك
كلنا سنمضي في الوقت المحدد لنا، فلا تستبق الأحداث مهما حصل
تذكر انك وجدت لسبب ما، جتى لو كنت تجهله

فابتسم يا صاح، وتوكل على الله
فما خاب من توكل عليه سبحانه