انتصار العقل أم سطوة القلب؟

478 15 70
                                    

***

مرحباً بك مجدداً، عزيزي القارئ...

تشير الساعة الآن إلى التاسعة وست وأربعين دقيقة صباحاً. في الحقيقة، لا توجد ساعة تُخبرني بالوقت في المكان الذي أكتب لك منه، لكن لحسن الحظ أستطيع معرفة الوقت من خلال الجهاز الذي أستخدمه للكتابة.

أستمع الآن لمحمد عبده وهو يردد:

"الحنان هو الحنان...
خلاني في حبك أسير!"

وأتعجب فعلاً! كيف يمكن لإنسان أن يصبح "أسيرًا" لمجرد حاجته للحنان؟! كيف يتجرد الإنسان من قناعاته ومعتقداته لأجل رغبة تدفعه لإشباع عاطفته؟

في الخلق عمومًا، أوجد الله من المخلوقات الحية ما نعلمه وما لا نعلمه. لكن، في هذه الأرض، تُصنف الكائنات إلى أربع مجموعات: الملائكة، الجن، البشر، والحيوانات. كل فئة تمتلك ميزات مختلفة، ولكن ليس جميعها مجتمعة.

الملائكة، مثلاً، خُلقت بعقولٍ فقط، دون رغبات. إذا أُمرت، تبدأ بالتنفيذ دون تردد. بينما البشر، ميزهم الله بالعقل والرغبة معًا. أما الحيوانات، وُجدت بالرغبة فقط، بلا عقل. تمارس رغباتها بشكل بدائي، دون عقلانية أو تنظيم. قد تراها تمارس رغبتها في أي وقت وأي مكان، حتى مع كائنات من فصائل أخرى!.
أما الإنسان، فهو الكائن الوحيد الذي يجمع بين العقل والرغبة، لكن لماذا تسيطر الرغبة أحيانًا على العقل؟ لماذا يُلغي القلب وجود العقل تمامًا في بعض اللحظات؟ والأغرب من ذلك، أن الرغبة (القلب) تتغلب وتنتصر على العقل، فتجد الإنسان ينساق لرغبته!
أنت أسير وتعلم ذلك مسبقاً، وتعلم أنه لا طائل من هذا "الحنان" وهذه العلاقة. وتُدرك تمام الإدراك أن الاستمرارية تعني الأذى وتفشي السُم في كل أنحاء جسدك، ومع ذلك تُقرر أن تُكمل في هذه العلاقة! لماذا؟ حقاً لا أعلم لماذا! ولم أجد جواباً لهذا السؤال.
هل هو مجرد إشباع لرغبة ما بداخلك، لا يهم إشباعها أو انعدامه؟ أم أنك تتبع رغباتك كمصدر أساسي وشرط من شروط استمرارية الحياة، يّولد الطاقة الجسدية والعاطفية التي تدفعك للعيش؟

لحسن الحظ أن زارع هذا التساؤل في النفس، هو نفسه من أجاب عليه. نعم، إنه محمد عبده ذاته. فقد نجح في زرع التساؤل في الروح، ثم وضع نقطةً على آخر السطر، وكأنه يقول: توقف عن البحث عن إجابة لتساؤلاتك! وأتبع تساؤله بقوله:
"والصراحة؟ ما في راحة."!

هذا الفنان العظيم هو جسر بين المشاعر واللسان.
في كثير من الأحيان، لا تستطيع نطق مشاعرك كما تشعر بها، تعجز! تشعر بها فقط، ولكنك تعجز عن وصفها! وهنا يأتي دور هذا الفنان، الذي يقوم بوصف ما تشعر به داخلك، دون جهد منك.

بجميع الأحوال، الحمد لله أنهم يسمحون لي في هذا المكان بالاستماع أحياناً للموسيقى عبر هذا الجهاز، في ظل منعي من أشياء أخرى. أو الحمد لله على سماحهم لي باستخدام الجهاز أساسًا.

أذكُرنّي لامعاً.. حين كُنّا معاًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن