تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المخطئين♥

71 8 0
                                    

لقد راعى المعلم الأول -صلى الله عليه وسلم- جملة من الأساليب التربوية الكريمة بأروع صورها وأكملها، وذلك في تعامله مع من أخطأ من بعض أصحابه ، وهذه بعض منها:

أولا- أسلوب الإشفاق على المخطئ وعدم تعنيفه:
كان صلوات الله وسلامه عليه يقدر ظروف الناس، ويراعي أحوالهم، ويعذرهم بجهلهم، ويتلطف في تصحيح أخطائهم، ويترفَّق في تعليمهم الصواب، ولاشك أن ذلك يملأ قلب المنصوح حباً للرسالة وصاحبها صلى الله عليه وسلم، مثلما فعل مع معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يوم غزوة أوطاس، ولنتركه يحدثنا عن هذه القصة قال: "بينما أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجل من القوم، فقلت: "يرحمك الله"، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: "واثُكْلَ أُمِّيَاهْ! ما شأنكم تنظرون إلي؟" فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمِّتونني، لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوا الله ما كهرني[9]، ولا ضربني، ولا شتمني قال: (إن هذه الصلاة لا يَصْلُح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)"[10].

ثانيا- أسلوب الإرشاد إلى الخطأ بالرفق والملاطفة
وفي أحيانٍ أخرى يقابل الخطأ بنوع من الملاطفة والرفق بالمخطئ، كما صنع مع خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه حين أمره صلى الله عليه وسلم أن يذهب في بعض حاجته، فانشغل عنها باللعب مع الصبيان، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم. فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرت إليه وهو يضحك فقال:( يا أنيس أذهبت حيث أمرتك) قال: قلت نعم أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا، أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا"[11]

ثالثا - أسلوب التعريض فيما يذم دون التصريح
كان النبي صلى الله عليه وسلم يذم الخطأ ويشهر به، ولا يشهر بصاحبه، ولذلك لم يكن صلى الله عليه وسلم يواجه المخطئين بالخطأ أمام الناس؛ لأن ذلك يؤدي إلى تحطيم شخصية المخطئ وإذلال نفسيته، وهذا أسلوب ذكي يتعلم منه المخطئ دون أن ينظر له الآخرون نظرة ازدراء.
عن أنس بن مالك قال :"إن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)"[12]
ولنتدبر موقفا آخر مع عبد الله بن اللُّتْبيَّة رضي الله عنه حين استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقات بني سليم، فقبل الهدايا من المتصدقين. عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رجلاً على صدقات بني سليم، يُدْعى: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، فقال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(فهلاّ جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً؟) ثم خطبنا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:(أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول:هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ والله لايأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله بحمله يوم
القيامة، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رُغاء[13] أو بقرة لها خُوار[14]، أو شاةً تَيْعر[15]) ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه يقول:( اللهم بلغت، بَصُر عيني وسمع أذني)"[16].

يا خير من بشرت به البشريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن