السَّلامُ لِقلبك|8

7 6 0
                                    

السَّلام عليكَ يَا صَاحبي،


كانت جدتي رحمها الله تمسح على رأسي حتى أنام وكانت كل ليلة تروي لي حكاية ماتعة فحدثتني ذات ليلة عن رجل قصد صديقاً له ليستدين منه، فاعتذر منه صديقه لأنه في ضيق أيضا ولكنه أرشده إلى رجل آخر وقال له: اذهب إليه، فستجد ضالتك عنده ذهب الصديق إلى بيت الرجل منه فوجده يداوي شاة مريضة فقال في نفسه يا له من بخيل على كثرة غنمه لم يُفرط في شاة مريضة، فكيف سيعطيني؟!

فعاد إلى صاحبه وأخبره بالأمر

فقال له صاحبه: عُد إليه فإنه لن يَرُدَّك!

فعاد إليه مجدداً، فسمعه يأمر أولاده أن يلتقطوا
كل حبة قمح تقع منهم في الطريق أثناء ذهابهم إلى الطاحونة!

فقال في نفسه : إن رجلاً لا يُفرِّط في حبات قمح لهو
رجل بخيل ولن يعطيني

فعاد إلى صديقه مرةً أخرى، وحدثه بما سمع
ولكن الصديق طلب منه أن يرجع إلى الرجل
ويسأله فإنه لا يرد سائلاً !

فعاد إليه في المرة الثالثة
فسمعه يطلب من بناته أن يخفضوا ضوء المصباح
كي يحافظوا على الزيت فيه أطول فترة ممكنة
وبينما هو يحدث نفسه ويقول : والله ما يزداد هذا الرجل في عيني إلا بخلاً،

إذ فتح الرجل باب بيته فوجده أمامه،
فسأله : الذي أتى بك؟

فقال له : سأصدقك القول فإني لا أكذب، أنا رجل نزلت بي حاجة

فقصدت صديقي، فإذا هو يشكو مما منه أشكو،
فأرشدني إليك لتعينني!

وهذه ثالث مرة آتي إليك، في الأول رأيتك تداوي شاة مريضة فقلت إنك تفعل هذا رغم كثرة غنمك، فهذا يدل على أنك بخيل!

وفي الثانية سمعتك توصي أولادك بالتقاط حبات القمح
التي تسقط في الطريق إلى الطاحونة

فقلت هذه حالك والقمح لديك كثير، إنك حتما بخيل!
وها أنت توصي بناتك أن يخفضوا ضوء المصباح ليوفروا زيته
فازددت يقيناً أنك بخيل

ابتسم الرجل وقال لضيفه : أما الشاة فكانت قوية
وقد شربنا لبنها دهراً، فأين الوفاء إذ نتركها حين مرضت!

وأما القمح فأوصيت أولادي أن يجمعوا ما يسقط منه
ليتعلموا احترام النعمة، ولأن الإنسان لا يعرف في أي طعامه تكون البركة

وأما وصيتي لبناتي بخفض ضوء المصباح حفاظاً على الزيت فإني أعلمهن الحرص والتدبير، وأنا رجل ميسور وهُنَّ مغادرات عما قليل إلى بيوت أزواجهن وقد يكون أحدهم فقيراً،فأردت أن أعدهن للحياة

اعتذر الرجل من صاحب البيت على سوء ظنه، فقال له : لا عليك، والآن سلني حاجتك فسأله حاجته، فأعطاه، ومضى في سبيله

يا صاحبي تعلمت باكراً من هذه القصة أن بعض النبل لا يُدرك بسهولة.

وأن لا أحكم على كل شيء من بعيد وأن بعض الناس ينظرون أبعد بكثير مما ينظر بقية الناس!

تخيل هذا الوفاء يا صاحبي

إنه لم يُفرِّط بشاة كان لها معه ماض جميل! أفترى أن مثل هذا يُفرِّطُ بالناس؟!

يا صاحبي إن الأمور الصغيرة تخبرك عن الأمور الكبيرة ، أشياء بسيطة، تفاصيل قد لا تحسبها مهمة

ولكنك لو تأملت فيها جيداً ، لو نظرت إليها بعين الفراسة

لوفرتَ على نفسك عناء معرفة الناس عن قرب!

والسَّلام لقلبك.

.

.

.

لا إله إلاّ أَنْـتَ سبحانك إني كنت من الظالمين.

السَّلام عليكَ يَا صَاحبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن