السَّلام عليكَ يَا صَاحبي،
أمضى القسيس الكاثوليكي الفرنسي« شارل دوفوكو» أحد عشر عاماً في الصحراء الكبرى بين قبائل الطوارق، مبشراً وداعياً إلى النصرانية،
ومحاولاً أن يثنيهم عن دينهم،
وقدَّم خلال هذه السنوات معونات ومساعدات وإغاثات كثيرة، ولكنه لم يستطع أن يقنع طارقياً واحداً بترك الإسلام!
حتى العجوز التي كانت تخدمه نظير راتب كبير،
قالت له يوماً : أنت رجل طيب يا سيد شارل ومن الخسارة أن تموت كافراً !
والشيءُ بالشيء يُذكر يا صاحبي،
جاءت جماعة تبشيرية إلى إحدى قرى صعيد مصر، وألقت رحلها هناك لعامين،
بنوا فيها للناس مستوصفاً ومدرسة واشتروا لهم الكثير من الثياب،
وقدموا لهم الهدايا وكانوا بطبيعة الحال يدسون شيئاً من السم في العسل!
ثم ارتأى القسيس الأكبر أن يجمع الناس إلى حفل كبير،
عله يصطاد الناس دفعة واحدة!
اعتلى المنصة، وأراد أن يبدأ حديثه،
ولكن الفلاحين بطبيعتهم التي عليهم،
كانوا يتحدثون فيما بينهم دون إصغاء،
فحاول أن يلفت انتباههم، ولكن دون جدوى!عندها قال له عمدة القرية بلغته الصعيدية الحلوة: مش كدة حضرتك!
ثم قام ، وقال لهم بأعلى صوته : صلوا على رسول الله
فقالوا بصوت واحد : اللهم صلِّ على محمد وآل محمد !وعم الصمت، وخيّم الهدوء
ولكن القسيس نزل عن المنصة لأنه عرف أن الكلام لن يجدي!
يا صاحبي عجيب هذا الدين،
والله عجيب!
متى خالطت بشاشته كيان المرء ملأته طمأنينة في القلب، وراحة في العقل حتى لتجد أن الأمي الذي لا يعرف كيف يفك الحرف لا يستطيع الفلاسفة كلهم أن يُزعزعوا إيمانه قيد أنملة، بينما تجد فلاسفة العالم، ومنظريه، ومفكريه، تملأهم الشكوك،
حتى أن أحدهم ليؤمن صباحاً، ويرتد مساءً يسيرون من غير هدى، كالأعمى الذي يتحسس طريقه
فيقع مرةً، ويقوم مرَّةً!ذاك أن المعرفة شيء، والإيمان شيء آخر!
يا صاحبي لقد زرع النبي ﷺ بذرة تنمو داخل القلب تتشعب، وتنشر، فتملأ المرء إيماناً عجيباً، وتسليماً رهيباً، وطمأنينة ليست لأحد من سكان هذا العالم غير الدين!
إنك لترى الشيخ المتهالك يتكئ على عكازه ويسير إلى المسجد بتؤدة،
مسير من يعرف أنه يمشي إلى وجهته الآمنة،
ليس السير بالأقدام يا صاحبي ولكنه بالقلوب،
وليس غيرنا له هذا المسير الباذخ!وإنك لترى العجوز على سجادة صلاتها،
رافعة يديها إلى السماء تلهج بالدعاء بيقين،
لهج من يعرف أن ليس غير الله يُسأل!وإنك لترى فاقد الحبيب بموت حار الدمع بارد،
يعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه،
فتود لو تعزيه، فتجده جبلاً لا يحتاج إلى عزاء،إلا بالقدر الذي يأنس به النَّاسُ بالنَّاس!
وإنك لتجد المؤمن الذي لا يكاد يجد قوت يومه،
فتسأله عن حاله فيطالعك بأبلغ عبارات الحمد، ولو لم تكن تعرفه لحسبت أن له مال قارون!
ليس غير الإيمان يجعل من الناس ناس!يا صاحبي من ذاق من الإيمان مذقةً واحدة ،
ما زعزعت إيمانه شكوك الدنيا كلها !حدثني شيخ درست الفقه على يديه، عن قصة حقيقة فيها شيء من الطرفة، وكثير من اليقين!
في سبعينيات القرن الماضي عاد طالب إلى قريته قادماً من الاتحاد السوفيتي بعد سنوات طويلة من دراسة
الطب، تعلم فيها كيف يعمل جسم الإنسان بهذا الاتقان ولكنه صار شيوعياً ملحداً ينكر أن لهذا الجسم خالقاً !وأنه بعد قدومه بأيام خرج يتمشى في القرية، فصادف راعياً كبيراً في السن فأخذ يحدثه، ويسأله عن حاله فقال الراعي: الحمد لله
فقال له : لا يوجد شيء اسمه الله
هذه مجرد خرافات حشوا بها عقولنا ونحن صغار!لم يجد الراعي رداً غير أن قال: الله يا رجل، الله!
فقال له الطبيب: هل تستطيع أن تثبت لي وجود الله عملياً؟
فما كان من الراعي إلا أن انهال عليه بالضرب بعصاه الغليظة
فقال له متوجعاً والعصا تنهال عليه: «منشان الله خلص!»فقال له الراعي: «منشان الله!»
لقد أثبت لك وجود الله عملياً !والسَّلام لقلبكِ.
لا إله إلاّ أَنْـتَ سبحانك إني كنت من الظالمين.