بدت جدران قصر ويستاريا شاحبة اللون، ففي مكتبتها الخاصة، عقدت هيلين حاجبيها و أغلقت عينيها في يأس لتفكر في أي قشة يمكنها التعلق بها لتنجو بشعبها من الهلاك الذي سيطالهم لا محالة حالما تنقضي المهلة التي حددها ريوجو..
ذلك الشاب المتغطرس.. لما لا يتوقف فحسب.. لقد حصد حتى الآن ما يكفى امبراطوريته لآلاف السنوات القادمة.. ما الذي يريده أكثر.. أن يمتلكالعالم..
جالت هذه الكلمات في عقلها لبرهة..
أطلقت تنهيدة عميقة و نهضت من منضدتها بعد أن غلفت رسالة ملكية في أسطوانة فضية و ختمتها بالشمع الأحمر..
امتدت يده البيضاء و عروق كفيه كأنهار مضطربة في ضوء الشموع الخافتة.. خبأ الرسالة جيدا بين ثنايا معطفه المصنوع من جلد نمر أبيض.. نظر إليها بشئ من الشفقة و التصميم.. تحركت شفتاه لينطق عله يجد ما يواسي كليهما.. : جلالتك.. إن كنت مكانك..لكنت اخترت هذا القرار منذ زمن طويل.استدارت نحو النافذة لينعكس ضوء القمر على درعها الفضي اللامع، تسابقت الكلمات مشوبة ببعض الحزن الهادئ : بيتر.. يبدو اننا قد انطلقنا في طريق لا عودة منه حقا..
أطلقت ضحكة خافتة ثم اردفت.. ولكني سعيدة برؤيتك حاملا سيفك من جديدابتسم برضا ثم غادر مختفيا لمهمة شبه مستحيلة..تاركا وراءه صمتاً ثقيلاً.
°°°
اصطدم بيتر عند خروجه بهيئة ضئيلة، لم يلتفت مرتين فقد كان يسابق الوقت للوصول إلى وجهته البعيدة.
دلفت مهرولة باتجاه هيلين التي مدت ذراعيها لتحتضنها قائلة : اوه عزيزتي صوفيا لقد أصبحت فتاة كبيرة ولا يمكنني أن أرفعك كما السابق..
أرجحتها هيلين ثم افلتت ذراعيها بعناية لتلامس قدما الآنسة الصغيرة الأرضجلست صوفيا وهي تلعب بشعر قطتها الكثيف الأبيض اللون، التي دائما ما تبدو منزعجة، أطرقت رأسها لبضع لحظات ثم تحدثت بحماس : أخبريني هيلين لم يرتدي بيتر زيا كالمحارب، يا ترى إلى أين يذهب في هذا الصباح البارد.. ؟؟
لتقاطعها هيلين محاولة صرفها عن الموضوع و أشارت لها بالاقتراب من مكتبها : صوفيا تعالي لنرى كيف أصبح خطك في الكتابة، لقد أخبرتني معلمتك أنك تدرسين بجد.. هياتحمست صوفيا للفكرة ونست أو ربما تناست ما قالته آنفا و صاحت قائلة : حقا سأنال الشرف بأن أكتب على الورق الملكي!! كم انتي رائعة هيلين!! أتمنى أن أصير مثلك عندما أكبر!!
°°
في غرفتها التي تعكس برودة الجو بجدرانها العالية كانت آنا في واد آخر تماما.. غارقة في التساؤلات التي أصبحت تسبب ليها الأرق مؤخرا.. فلم لم يخترها جدهما لتكون هي زوجة لـ ريوجو.. سرحت في ذكرى بعيدة، عندما التقته أول مرة.. كانت طفلة.. و كانت في غاية السعادة لرؤية الأسماك الحمراء الملونة تسبح بمرح في بركة قصر امبراطور الشرق العظيم، عندها رأته يقف على الجسر الذي يعكس شكل دائرة مثالية على سطح الماء.. كان واقفا بشموخ الأباطرة.. مع أنه بالكاد كان صبيا تجاوز العاشرة.. آنذاك أخذها والدها ملك الشمال مايكل في رحلته لمبادرة سلام بين الممالك الثلاث، الشرق، الغرب و مملكته الشمال..
ما زالت تذكر وجه والدها عندما خرج من اجتماعه.. .. لقد حاول جاهدا اقناعهم بالسلام ولكن يبدو أن امبراطور الشرق كان مصمما على التوسع بدلا عن إبرام معاهدات سلام ضعيفة..هزت رأسها في محاولة لطرد هذه الذكرى البعيدة.. الذكرى التي قد مر عليها قرابة الستة عشر عاما الآن..
و قعت عيناها على ظل بدا مألوفا.. " بيتر ؟؟لماذا يرتدي زي المحارب.. و الأهم من هذا لما يتسلل خارج القصر"
نهضت من مكانها أفلتت كوب الشاي لينكسر و يستقر أسفل قدميها... أقبضت أناملها على طرف الكرسي المطل على هذا المشهد.. و رغما عنها.. تبلورت بعض دموع في عينيها الحزينتين..°°
كانت هذه الليلة قاتمة يغلفها الضباب، تسللت هيلين بخطوات حذرة عبر الأزقة المظلمة التي تقود إلى أطراف المملكة، متنكرة بعباءة داكنة أخفت ملامحها حتى لا يلحظها أحد. كانت الأنوار الخافتة للحانة القريبة تتراقص من بعيد، تُشع في تلك العتمة كأنها واحة وسط بحر من الظلام. لم يكن اللقاء سهلاً ولا آمناً، لكنها كانت تدرك أن هذا المكان هو الوحيد الذي يتيح لها لقاء عشيقها، إيثان، بعيدًا عن أعين المتربصين.
دلفت هيلين إلى الحانة ببطء، أرجاء المكان تعج بضحكات المارة وهمساتهم، لكنها سرعان ما تعرفت على إيثان الجالس في زاوية منعزلة، يشعل غليونه بنظرة متحفزة وكأنه ينتظر شيئًا مهمًا. وما إن رفعت عباءتها ليكشف وجهها، حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة تفيض بشوق دفين.
اقتربت منه وجلست، فيما كان قلبها ينبض بشدة وكأنها لا تزال تلك الفتاة الصغيرة التي تتطلع لهذا اللقاء بفارغ الصبر. كانت تعلم أن كل لحظة تقضيها معه قد تحمل خطراً، لكنها في حضوره تشعر بطمأنينة غريبة، كأنما تستطيع نسيان مخاوفها للحظات.
همست بصوت منخفض وحذر: "إيثان، لم يعد لدينا متسع من الوقت... ريوجو لن ينتظر طويلاً."
رد عليها وهو يمسك بيديها بحنان ممزوج بحزم:
"أعلم يا هيلين. لكنني لن أتركك وحدك في هذا الصراع. طالما كنتِ بحاجة إليّ، سأكون هنا، في الظل... أعدك بذلك."
شعرت هيلين بنبضه الثابت في كفيه، وأدركت قوة التزامه تجاهها، لكنها أيضًا عرفت أن الحب وحده لن يحمي مملكتها. بعيون قلقة ونظرة مترقبة، سألت:
"إيثان، هل تعتقد حقاً أننا نستطيع مواجهة ريوجو؟"أطلق ضحكة قصيرة وكأنه يسخر من العالم بأسره، ثم قال: "أملك الحلفاء في الجنوب، وأعرف طرقًا لا تعرفها جيوش الشرق. لكن يجب أن تكوني حذرة، هيلين... فريوجو ليس كأي عدو."
بقيت عيناها متعلقتين به، وفي أعماقها، تتصاعد مشاعر متناقضة بين الأمل والخوف. للحظة، شعرت برغبة في الهروب، في الرحيل بعيدًا معه، لكن عقلها ذكرها بالثمن الباهظ الذي ستدفعه مملكتها إذا استسلمت لرغباتها.
أنت تقرأ
The Palace Of Westaria قصر ويستاريا
Historical Fictionالشخصيات و الأحداث في هذه القصه من وحي الخيال ولا تمت للواقع بأي صلة و اي تشابه بينها و بين الواقع هو محض صدفة لا أكثر في عالم مليء بالتوترات السياسية والصراعات، تتقاطع مصائر ثلاث ممالك: مملكة الشمال، الشرق، والغرب. و حيث يتصارع الفخر والولاء، تُجبر...