بينما اقترب بيتر من العرش، كانت أنظاره تتجول للحظات في القاعة الملكية المهيبة، حيث كل زاوية تنطق بالعظمة والرقي. ارتفعت أعمدة شاهقة مزخرفة بنقوش دقيقة، يلتف حولها خيوط ذهبية تبرز جمالها. في المنتصف، كان العرش يتألق بجلال، مصنوعًا من الفضة النقية، تتناثر عليه زخارف من الأحجار الكريمة بدرجات الأرجواني العميق، لون يرمز للملكية والهيبة.
السقف المرتفع كان يعكس ضوء الشمعدانات المعلقة، مما يضفي هالة من الإشراق الملكي على الغرفة، بينما امتدت سجادة أرجوانية طويلة من المدخل إلى العرش، مبطنة بخيوط فضية متشابكة. خلف العرش، كانت ستائر من الحرير الأرجواني الداكن تتدلى برقة، تضفي مزيدًا من الجلال على المشهد.
هذه القاعة، رغم جمالها المبهر، كانت تحمل في أرجائها شعورًا بالكآبة، وكأن جدرانها تحفظ في صمت أسرارًا ثقيلة عن قرارات مصيرية اتخذت هنا على مر العصور.
بخطوات متزنة، اقترب بيتر من العرش، ثم انحنى بتواضع واحترام، مقدّمًا الرسالة بيدٍ ثابتة. نظرت إليه الملكة بعينين حادتين، قبل أن تومئ للحارس بجانبها، الذي تقدّم وأخذ الرسالة ليضعها بين يديها.
فتحت الملكة الرسالة ببطء، وبدأت تقرأها، ووجهها يظل هادئًا، بلا أي إشارة تدل على ما يدور في ذهنها. انتهت من القراءة، ثم رفعت عينيها لتقابل بيتر بنظرة متفحّصة.
الملكة: "بيتر، أخبرني، ما رأيك في هذه الكلمات؟ هل تراني أقبل دعوة الأميرة هيلين وأخاطر بسلام شعبي في حرب قد لا نعلم نهايتها؟"
شعر بيتر بثقل السؤال، لكنه أدرك أن الصدق هو السبيل الوحيد، فأجاب بصوتٍ حازم:
بيتر: "جلالتك، إنني أفهم مخاوفك، فالحرب ليست خيارًا بسيطًا. لكني رأيت ما تفعله إمبراطورية الشرق في الممالك التي تقع تحت قبضتها، وكيف ينال الظلم والقسوة من أبسط البشر. لقد جئت هنا لأنني أؤمن أن وحدة ممالك الشمال والغرب قد تكون الأمل الوحيد في إيقاف هذا التوسع."
صمتت الملكة لبرهة، وكأنها تفكر في كلامه. ثم قالت بحذر:
الملكة: "ولكن ماذا عن خسائرنا؟ شعبي قد لا يغفر لي إن تسببتُ في إحضار الحرب إلى أبوابنا."اقترب بيتر خطوة أخرى، محاولاً إظهار عمق قلقه وأمله:
بيتر: "اعلمي يا جلالتك أن هذه ليست معركة الشمال وحدها، بل هي دفاعٌ عن السلام نفسه. إن هيلين لم ترسل هذه الرسالة إلا بعد أن رأت أن لا طريق آخر لنا سوى التحالف، ورغم أن قلبها مضطرب بالقلق، إلا أنها تعوّل على حكمتك وعلى نبل نواياك."
تنهّدت الملكة، وعلامات التفكير بادية على وجهها. كانت تعلم أن قرارها هذا قد يغيّر مستقبل المملكة بأكملها، وربما مصير القارة بأسرها.
الملكة: "سأحتاج إلى وقت للتفكير. لكن اعلم يا بيتر، أن ما طلبته الأميرة هيلين ليس بالأمر السهل، وإن قررنا خوض هذه الحرب، فلن يكون هناك تراجع."
انحنى بيتر مرة أخرى، قائلاً بامتنان:
بيتر: "أفهم ذلك يا جلالتك، وأعلم أن الشمال لن ينسى هذا الموقف، ولن ينسى شجاعتك إن وقفتِ إلى جانبنا."أشارت الملكة بيدها إلى بيتر ليرافقه أحد المسؤولين إلى مقر اقامته الذي يرجو أن تكون غير طويلة.
و اردفت بصوت هادئ ينم عن شخصية رزينة و متأنية : "سيد بيتر ،اسمح لنا بشرف استضافتك ريثما نتخذ هذا القرار الحاسم "اومأ بيتر ببطء و ما زالت لديه بعض كلمات عالقة في جوفه لم يدلي بها.
بينما يمكث بيتر في ضيافة مملكة الغرب، قُدّمت له كافة سبل الراحة، لكنه لم يشعر بالراحة حقًا، إذ كانت أفكاره مشغولة بالمصير الذي قد ينتظر مملكته إن رفضت الملكة عرض التحالف. كان يعلم أن كل لحظة تمر، تقرّب جيوش الشرق أكثر من حدودهم.
في هذه الأثناء، اجتمعت الملكة في قاعة العرش مع ابنها الأمير الشاب. كانت نظراتها متجهة نحو النافذة، حيث تتساقط خيوط أشعة الشمس على الحديقة الملكية. لكن في عينيها كان يختبئ قلقٌ شديد، وهي تدرك أن قرارها القادم قد يغير مصير مملكتها ومستقبل ابنها كذلك.
الملكة: "لقد جاء بيتر طالبًا مساعدتنا. هم في الشمال يواجهون تهديدًا لا يرحم من إمبراطورية الشرق، ومع ذلك، لا يسهل عليّ أن أقرر إن كان علينا التضحية بأمان شعبنا لأجل معركة قد تكون مدمرة."
تقدم الأمير خطوة إلى الأمام، ورغم صغر سنه، بدا في عينيه تأمل ونظرة حنكة تتجاوز عمره. أجابها بصوت ثابت:
الأمير: "أعلم أن الأمر صعب جلالتك. لكن علينا أن ننظر إلى الصورة الكاملة. إذا سقطت مملكة الشمال، فلن يكون هناك عائق أمام تنين الشرق للتوسع نحونا. علينا أن نقرر هل نواجههم جنبًا إلى جنب الآن، أم ننتظر حتى تصل نيران حربهم إلينا؟"
أطرقت الملكة برأسها قليلاً، وهي تتفكر في كلام ابنها. كانت تعرف أن حكمته كانت دائمًا مزيجًا من الحنكة والحذر، وأنه ينظر إلى أبعد من المخاطر القريبة.
الملكة: "لكن ماذا عن شعبنا؟ هل سيقبل أن نخاطر بأرواح جنودنا ونجر مملكتنا إلى حرب قد لا نكسبها؟"
اقترب الأمير منها، وبدت الحماسة في صوته:
الأمير: "شعبنا قوي جلالتك، وسيقاتل دفاعًا عن نفسه وعن حريته. إذا اخترنا التردد الآن، فقد نخسر حلفاءنا، ونجد أنفسنا وحدنا أمام عدوٍ أقوى وأعظم. لكن إن اتحدنا مع الشمال، ستكون لنا فرصة، بل وربما أمل في الحفاظ على سلامة مملكتنا."
نظرت الملكة إليه، وكأنها تبحث في عينيه عن تأكيد. كان هذا القرار يحتاج إلى شجاعة وحكمة تتجاوز حتى قدراتها، لكنها كانت تشعر بأن ابنها قد يساعدها في اتخاذ الخيار الصحيح.
![](https://img.wattpad.com/cover/349249345-288-k84292.jpg)
أنت تقرأ
The Palace Of Westaria قصر ويستاريا
Historical Fictionالشخصيات و الأحداث في هذه القصه من وحي الخيال ولا تمت للواقع بأي صلة و اي تشابه بينها و بين الواقع هو محض صدفة لا أكثر في عالم مليء بالتوترات السياسية والصراعات، تتقاطع مصائر ثلاث ممالك: مملكة الشمال، الشرق، والغرب. و حيث يتصارع الفخر والولاء، تُجبر...