1/الخيبة الخامسة والثلاثون

7 4 1
                                    

"لا تُعاد الخيبات مرتين".

ولكن ها هي ليليان داوود تجلس على كرسي مكتبها، الذي يصاحبه ضوء خافت بالكاد يضيء الورقة التي أمامها. ظهرها منحني وكتفاها متهدلان بثقل الخيبة الخامسة والثلاثين.

إسمي ليليان داوود، عمري أربعة وعشرون عامًا. خريجة كلية الفنون الجميلة، جامعة المنصورة. تخرجت منذ عام، لكن حياتي متوقفة منذ خمسة أعوام، وتحديدًا منذ اليوم الذي فقدت فيه أختي ليلى، ذات الخمسة عشر عامًا في ذلك الوقت. ليلى، أختي العمياء، كانت كل ما أملك.

وضعت ليليان نظارة القراءة الخاصة بها على سطح المكتب بحركة بطيئة، وكأنها تخشى أن يتكسر شيء آخر من حولها. انحنت إلى الأمام ودفنت وجهها بين يديها، تاركة لدموعها السقوط بحرية على الورقة التي أمامها.

"ذلك اليوم..."
كل شيء في حياتها يرتبط بذلك اليوم. الثاني عشر من ديسمبر. كان المطر يتساقط بغزارة، والهواء مشبع برائحة الشتاء. كانت تسير بين الزحام ممسكة بيد أختها الصغيرة، تشعر بالدفء الوحيد الذي يربطها بالعالم. ثم... اختفت ليلى. كل شيء بعدها أصبح فارغًا.

لم يقطع أفكارها سوى صوت مريم، صديقتها التي تشاركها السكن. دفعت مريم باب الغرفة، مملوءة بالفضول والتفاجؤ حين رأت ليليان منحنية على المكتب:
"إي دا ليليان؟! جيتِ إمتى؟!"

رفعت ليليان رأسها بسرعة، ومسحت الدموع العالقة في أهدابها الكثيفة. نظرت إليها بعينيها العسلية، التي بدت متورمة من البكاء، وأجابت وهي تنهض ببطء:
"لسه جاية من شوية."

اقتربت مريم منها، نظرة القلق تملأ ملامحها:
"أنتِ كنتِ بتعيطي، مش كده؟"

حاولت ليليان تغيير الموضوع قائلة بصوت متصنع المرح:
"ولا معيطة ولا حاجة. قوليلي، عاملة أكل إيه؟"

تجاوبت مريم معها بتغيير الموضوع، رغم أنها تعرف أن الغد ذكرى اختفاء ليلى الخامسة:
"النهاردة فريييي... طلبت دليفري!"

قبل أن تكمل كلمتها، قطع حديثهما صوت جرس الباب. صرخت مريم بحماسة وهي تتجه لفتح الباب:
"الدليفري وصل!"

بينما كانت مريم منشغلة، جلست ليليان مجددًا على الكرسي، وتنظر إلى يدها حيث الساعة الغامضة التي تركتها لها جدتها منذ كانت طفلة. تلك الساعة، التي لطالما أخبرتها جدتها عنها قصصًا ... خيالية !.

تذكرت ليليان حديث جدتها عن "دهليز الظلام". المكان الذي كان يعج بالأساطير في شبابها. قالت جدتها يومًا إن بوابة غامضة تفتح هناك عند الساعة الثانية عشرة صباحًا من يوم الثاني عشر من ديسمبر، تؤدي إلى عالم آخر.

في البداية، لم تكن ليليان تصدق هذه الأقاويل. لكنها الآن... الآن فقط، وبعد خمس سنوات من البحث العقيم عن أختها، وجدت نفسها تتساءل:
"ماذا لو...؟"

وادي الساعاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن