{ نبوءة الهلال الأول }

104 15 41
                                    


[ مِيرْدِيُولَانْسْ.الطَّرِيقُ إِلَى قَصْرِ لَامْبَادِيسْ ]


تَدُقُّ حَوَافِرُ الْحِصَانِ الْأَرْضَ مُحْتَكَّةً بِالْحَصَى الْأَسْوَدِ بَيْنَمَا يَتَطَايَرُ بَعْضُهُ مَعَ الْغُبَارِ الْكَثِيفِ..

أَحْكَمَ اللَّيْلُ ظُلْمَتَهُ.. وَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ نُورٍ سِوَى وَهَجِ فَانُوسٍ يَتَأَرْجَحُ ذَهَابًا وَ إِيَابًا... بَيْنَمَا تَتَرَاقَصُ الشُّعْلَةُ الضَّئِيلَةُ دَاخِلَهُ ، وَ كَأَنَّهَا عَلَى وَشْكِ الِانْطِفَاءِ مَعَ كُلِّ هَزَّةٍ..

الصَّمْتُ هُوَ السَّائِدُ مَمْزُوجًا بِأَصْوَاتِ الرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ وَ أَصْوَاتٍ بَعِيدَةٍ مُتَلَاشِيَةٍ قَادِمَةٍ مِنْ الْحَانَاتِ .

انْفَضَّ غِشَاءُ الصَّمْتِ فَجْأَةً ، إِثْرَ صَهِيلِ الْحِصَانِ الَّذِي أَطْلَقَ زَعْقَةً مُدَوِّيَةً ، تَلَاهَا صُرَاخُ السَّائِقِ قَائِلًا بِغَضَبٍ

" وَيْلَكِ أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ... كَيْفَ تَجْرُئِينَ عَلَى اعْتِرَاضِ عَرَبَةِ السَّيِّدِ "

هَانِزْ الْمَخْمُورُ كَانَ فِي غَيْبُوبَةِ نَوْمِهِ ، يَهِيمُ فِي أَعْمَاقِ أَحْلَامِهِ . وَ لَكِنَّهُ نَهَضَ مُبَاشَرَةً بَعْدَ الصُّرَاخِ وَ صَوْتِ الصَّهِيلِ . فَتَحَ عَيْنَيْهِ بِبُطْءٍ ، لِيَشْعُرَ بِصُدَاعٍ رَهِيبٍ يَكَادُ يَفْلِقُ رَأْسَهُ . مَدَّ يَدَهُ تِلْقَائِيًّا نَحْوَ خَصْرِهِ يَتَحَسَّسُ مَكَانَ سَيْفِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ . 

فَتَمْتَمَ لِنَفْسِهِ بِابْتِسَامَةٍ عَرَّتْ أَسْنَانَهُ

" أَيَخْرُجُ سَيِّدُ سَيْفِ الدَّمِ دُونَ سَيْفِهِ! "

تَرْجَّلَ سَائِقُ الْعَرَبَةِ مِنْ الْحِصَانِ ، عَيْنَاهُ تَلْتَهِبَانِ غَضَبًا وَ هُوَ يَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَجُوزِ بِعَصَبِيَّةٍ لِيَنْهَالَ عَلَيْهَا بِالضَّرْبِ . 

بَيْنَمَا وَقَفَتْ هِيَ بِلَا حَرَاكٍ ، صَامِتَةً تَمَامًا ، تُغَطِّي نَفْسَهَا بِعَبَاءَةٍ رَمَادِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ . بِعُيُونٍ وَاسِعَةٍ مُبَيضَةٍ حَدَّقَتْ بِثَبَاتٍ مُخِيفٍ نَحْوَ الْعَرَبَةِ ، وَ كَأَنَّهَا تُحَاوِلُ اخْتِرَاقَ جُدْرَانِهَا . مَظْهَرُ التَّجَاعِيدِ عَلَى وَجْهِهَا يُخْبِرُ بِأَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مِنْ الْعُمْرِ عِتِيًّا . مُوَاصِلَةً صَمْتَهَا ، مَدَّتْ ذِرَاعًا هَزِيلَةً شَاحِبَةً ؛ أَقْرَبَ إِلَى الْقَشَّةِ مِنْهَا إِلَى ذِرَاعٍ بَشَرِيَّةٍ .

رؤيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن