الفصل الخامس المخاوف التي تحققت

1.6K 23 1
                                    

وانفرجت شفتاها ، وهي تقول :
" لقد استمتعت كثيرا بهذا المساء . أرجوك ألا تظن أنني أصطنع الأعذار . أنني لا أفعل ذلك "
وبدأ على هنري شيء من الارتياح ن وعلق :
" حسنا ..حسنا.. سوف أطلبك هاتفيا . بعد غدا . هل توافقين "
وأومأت برأسها موافقة ، ثم انسلت من السيارة وحيته بسرعة :
" إلى اللقاء "
ورد عليها بالفرنسية ، وهو يرفع يده :
" إلى اللقاء يا دابون "
وانطلقت السيارة الخفيفة وصوت محركها يئز عبر الطريق . وألقت دابون بحقيبة يدها بإهمال ، وتمددت في حجرتها .
وخلعت ملابسها ، وأخذت حماما ملطفا ، ولبست ازارا حريريا وتمددت في فراشها . كانت تحس بالتعب وكان ذلك شيئا طبيعيا . لم تهنأ بالنوم منذ أن وصلت إلى الفندق . كان عقلها مهموما بدرجة لم تتح لها أن تهنأ باسترخاء كامل ، ولكن هواء البحر في تلك الأمسية جعلها تشعر بالنعاس . أغلقت عينيها على مضض مستسلمة لما عانته من اجهاد .
وذهبت في نوم عميق ، وعندما استيقظت كان الظلام كاملا ، وأحست بالبرد ونهضت من الفراش تبحث عن ساعة يدها ، ووجدتها أمام المرآة حيث تركتها قبل أن تدخل الحمام . انزعجت بعض الشيء عندما وجدت أن xxxxب الساعة تشير الى منتصف الليل ، وهزت رأسها ، وهي لا تكاد تصدق .
وفتحت باب حجرة نومها ، وصارت تسترق السمع لحظة . لم يكن هناك صوت ما في الطابق الأرضي . وهزت كتفيها ، وأغلقت باب الحجرة وقررت أن تعود الى الفراش من جديد . لم يكن هناك سبيل الى الخروج الآن . وما كادت تتدثر بالفراش حتى أحست بأن النوم قد هرب من جفونها . كانت أشعة القمر تضيء من خلال النوافذ ، وقد غمرت الحجرة بالضياء بينما كان صوت أوتار الغيتار ناعسة يأتي من بعيد بموسيقى حزينة تثير المشاعر .
ونهضت من الفراش . وهي تتنهد قليلا ، واتكأت على النافذة ، تطل على الميدان المغطى بالظلال . كانت النسمات الخفيفة تداعب أوراق أشجار البلانتري وأشعة القمر تحيل جذوعها الى أطياف رمادية اللون.
كانت هناك سيارة كبيرة تنتظر في الميدان رمادية اللون مغبرة على هيئة حافلة وكانت تستتر تحت بعض الأشجار . وبينما دابون تراقب ذلك المنظر ، وجدت رجلا ينسلخ عن ظلال الأشجار . كان طويلا وأسمر ، شعره يتلألأ في الضؤ الباهت ، يلبس ملابس قاتمة ، ملابس حارس . وكانت صدريته مفتوحة وأكمام قميصه مثنية حتى ساعديه . ونظر فجأة الى أعلى وعيناه تتفحصان نوافذ الفندق وارتعدت دابون وتراجعت لتستند الى الحائط واحدى يديها تضغط على حلقها . كان مانويل ! مانويل هنا خارج الفندق يقطع الطريق جيئة وذهابا .
ثم عودت النظر . كان الرجل يستند الى غطاء محرك السيارة الآن وهويشعل سيكارا ، وعود الثقاب يضيء للحظة ملامح وجهه القاسي وترك السيكار في فمه وأراح كفيه على مقدمة المركبة المغطاة بالغبار وقد انحنت كتفاه بما ينبىء عن الاستسلام التام .
وحبست دابون أنفاسها ، وتصلب حلقها . لماذا هو هنا في هذا الوقت من الليل ؟ ما الذي جعله يغامر للحضور بسيارته هذه المسافة الطويل . فقط من أجل أن ينتظر بالسيارة خارج الفندق ؟ ما الدوافع الرهيبة التي جعلته ينهض من فراشه ، ويأتي الى هذا الميدان الموحش .
وضغطت ذراعيها الى جسدها وهي تشعر بدوار يشبه دوار البحر . وأخذت تسأئل نفسها " ما الذي جعلها تنام مبكرة في تلك الأمسية ، ولماذا لم تنم في الوقت المعتاد وبذلك كانت وفرت على نفسها منظرا لا تود أن تراه "
ورجعت الى النافذة ، ونظرت مسرعة بعين طارفة . لقد مضت الحافلة . كان الميدان خاليا ، وكنت هي غارقة في تفكيرها لدرجة أنها لو تنتبه لصوت السيارة وهي تنصرف
لماذا تعدو الفرس نحو الاكواخ
وفي الصباح التالي استيقظت دابون في وقت مبكر . وشربت القهوة في قاعة الطعام قبل أن يستيقظ سائر نزلاء الفندق ، كانت شارة الذهن ويبدو عليها الانفعال ، وأصبح من العسير عليها أن تبقى في الفراش . وارتدت رداء قطنيا بسيطا أزرق اللون كانت قد أمضت به قبل أياما أكثر سعادة . وكان هذا الرداء في رأيها هو الأنسب لزيارة بيت سان سلفادور ن وكانت في قرارة نفسها تود ألا يخطر ببال إيفون أم مدام سلفادور أنها تحرص ولو قليلا على أن تجذب الاهتمام اليها ، ولم تكن تدري أنها تبدو غاية في الأناقة رغم بساطة الملبس .
واقترب منها السيد مدير الفندق يستفسر بطريقة تنم عن عنايته بالنزلاء:
" هل ثمة ما يشغلك ياآنسة "
وأجابت باستنكار :
" لا! لا! لاشيء يا سيد ليون . أنني فقط أنتظر شخصا ما "
ثم سأل :
" هل أحضر لك فنجانا من القهوة ؟"
وترددت دابون بعض الشيء . ثم قالت بحماس :
" حسنا ، لا بأس أذن "
كانت تريد شيئا يهديء أعصابها :
" ورد السيد ليون
" ساعدها في الحال "
وابتسمت دابون وهي تقول :
"شكرا"
وانصرف المدير مسرعا ، وعاد بعد دقائق قليلة يحمل الصينية ، وأشار الى دابون لتجلس في قاعة الإنتظار ، ودخلتها ، ثم وضع الصينية على المنضدة صغيرة أمامها
قال بالفرنسية :"هاهي القهوة يا آنسة "
ونظرت اليه نظرة مرتعشة ، ووقعت عيناها على عيني مانويل الرماديتين ، وخفق قلبها لحظة ، بينما أخذ فنجانها يحدث صوتا فوق الطبق الصغير .
وتقدم مانويل الى داخل القاعة ، وهو يقول ها أنذا ! هل أنت مستعدة ؟
وتنفست بعمق وقالت :
" أولا تعلم أن الساعة قد قاربت الحادية عشرة "
وهز كتفيه ، وهو يقول :
" ماذا حدث "
وردت دابون بقسوة :
" لقد ظللت أنتظرك منذ التاسعة . كنت أظن انك ستاخذني الى بيت الأسرة هذا الصباح "
ورد بغير اكتراث لدرجة تثير الحنق :
" أنني أعتزم ذلك "
وعلقت دابون :
" ولكن الوقت قد قارب الظهيرة "
وأجابها :
" هكذا ؟ اذن سنتناول الغداء عندنا في البيت "
وبدت شفتاها ترتعشان ، وكان عليها أن تكز عليها بقوة :
" أوه مانويل لا تضطرني الى هذا "
وبدت ملامحه قاسية ، وهو يتجاهل رجاءها قائلا :
" أقترح أن تصعدي لتغير ملابسك فردائك لا يناسب ما أعددته لك . أرجو أن تلبسي بنطلونا "
ونهضت دابون وقد بدات تلاحظ كم يبدو جذابا . كان يلبس بنطلونا جلديا رمادي اللون ، وصدرية رمادية من الجلد مطرزة بخيط أسود فوق قميص من الحرير الأحمر فبدا كأحدا النبلاء الفرنسين . كان هناك شيء من العجرفة في ملامح وجهه القوية ونوع من الكبرياء في بزاته القصيرة ، ولم يكن هنري ببذلته الأنيقة المحددة قادرا على أن يحدث ذلك التأثير . وشعرت أن خصومتها تذوب تحت سطوة شخصيته القوية المؤثرة .
كان مانويل يستعد ليرشف الفنجان الثاني من القهوة ، ومدير الفندق يتجاذب معه الحديث في احترام . كانت دابون قد كبحت جماح غضبها وهي تتامل مانويل الذي بيدو علية شيء من الهدوء وهو جالس هكذا يرتشف القهوة الخاصة بها ، بينما أمرها بأن تذهب لتغير ملابسها .
وعندما عادت الى قاعة الأنتظار التفت اليها مدير الفندق ذو الجسم الصغير قائلا :
" يخبرني السيد سان سلفادور انك ذاهبة الى مزرعته اليوم يا آنسة . أنني واثق من أنها ستكون زيارة ممتعة .
وأجابت دابون بنبرة من عدم الثقة :
" نعم "
وعندما دخلت نهض مانويل ، وكان يلاحظها بعينين مسبلتين تركزتا عليها لحظة ، ثم أكمل قهوته ، وأعد الفنجان فوق طبقه الصغير ومشى اليها ، وأبدى ملاحظة الاستحسان لثيابها وهو يقول :
" هكذا ..... أحسن بكثير "
وكان هناك حصانان ينتظران بجوار الحاجز الخشبي الخارجي للفندق ، ولم يكن هناك اثر للسيارة الستروين ونظرت الى مانويل بشيء من الاستفسار والتساؤل ، وأحنى راسه متباطئا وسألها بشي من التراخي
" هل خيبت ظنك ؟ أكنت تودين أن تركبي الحافلة الصغيرة "
وأجابت دابون بقسوة :
" أنت تعرف أنني كنت أريد ذلك ، مضى وقت طويل منذ أن ركبت الحصان لآخر مرة "
وعلق مانويل :
" ثلاث سنوات تماما"
فنظرت بعيدا . لم يكن الحصانان متشابهين ، كان احدهما فرسا بيضاء من خيل كامارغ ، كانت قصيرة وممتلئة وكانت الأخرى فرسا سوداء مشوبة بالحمرة . ولم تكن دابون بحاجة الى التفكير طويلا لتستنتج أن هذه الأخيرة كانت من السلالة التي يفضلها مانويل في الركوب . منذ ثلاث سنوات كان لديه فحل أسود وبدأ مانويل يتحدث وكانه قد أدرك السؤال الذي كان يساورها:
" هذه كونسيلو . كان كاسبار الذي رأيت من قبل أباها "

ليالي الغجرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن