⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
*
كانت قد غادرت المنزل منذ فترة وجيزة لتلحق بـ محاضراتها ، ركبت دراجتها النارية و انطلقت بسرعة الصاروخ للجامعة.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
*
ركنت دراجتها في احدى مواقف الجامعة و دلفت لـ حرمها ، ضمت حقيبتها السوداء الرياضية لصدرها و هي تنظر للاسفل مرددة بداخلها :
_لا تنظرِ اليه ! عليك اللعنة ان نظرتِ اليه !! لا تنظرِ ..-
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
اغمضت عينيها بقوة لتطرد صورة وجهه من عقلها .. فجأة قطع صراعها النفسي صوت رجلٍ ما يصرخ قائلا :
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
_يا فتاة إنتبهِ !!
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
رفعت رأسها بسرعة و سرعان ما سقطت مرتطمة بالأرض إثر دفع احدهم لها ثم سقوطه هو الآخر ، نهضت جالسة و تحك رأسها متأوهة بألم.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
فجأة سقطت عند قدميها لوحة إعلانات كبيرة مصدرة صوتاً مدوياً ، نهض الشاب الذي سقط بجانبها جالساً و هو ينظر بحسرة لشاشة هاتفه التي تحطمت إثر سقوطه.ادار رأسه ناحية ميناو التي اكملت ببلاهة :
_إليه ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
نهض هو واقفاً ثم امسك بمعصمها ليجعلها تقف هي ايضا ، قال بعدها :
_أانتِ بخير يا آنسة !؟
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
اومأت ميناو بإيجاب و تمتمت بهمس :
_اجل ، شكراً لك.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
إبتسم الشاب بلطف و قال :
_اه عفوا ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
بقيت تنظر اليه ببلاهة و هي ترفع رأسها للاعلى ، بدا فارق الطول واضحا ، كان ذو شعر اشقر اشعث و عينين بنيتن فاتحتين ،
بشرة شاحبة ، يرتدي قميصاً ابيض ذو ياقة و قد طيّر ربطة عنقه السوداء المهملة فوق كتفه ،
و بنطال اسود .. حول عنق عُلقت بطاقة -معرفية مربعة صغيرة بها صورته و اسمه- متدلية من خيط عريض ازرق داكن ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀ترك معصمها و نظر مضيقاً عينيه ناحية لوحة الإعلانات بتحسر :
_ووه لقد كان هذا وشيكاً !! .. ااء انا يوكي ، من كُليةالاعلام ، اعتذر عن هذا ، فـ زميلي لم يقم بتثبيت اللوحة جيداً ، انا اعتذر لك نيابة عنه آنستي ☺
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
ازدردت ميناو ريقها ثم قالت بارتباك و هي تنفي بيدها :
_كلا لا مشكلة ، الأهم انه لم يتأذى احد.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
احنى رأسه مسرعا و هو يستدير مغادراً ، فقال :
_حسنٌ ، سأذهب الآن !
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
استدارت ناحيته و هو يشرع بالذهاب ، فجأة رفع سبابته و هو يدير رأسه نحوها قائلا بابتسامة ذات مغزى :
_في المرة المقبلة ، عليكِ فتح عينيكْ اثناء مشيكِ يا آنسة.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
اومأت ببطء بينما هو قد اختفى عن مرمى بصرها ، تنهدت براحة و هي تضع حمالات حقيبتها على كتفيها متمتمة :
_اه وجهه هوّن عليّ مصيبتي قليلا.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
*
بقيا جالسين بتململ واضح ، حتى رفع جين ناظريه عن الكتاب ناحية ماري التي كانت مسندة رأسها على الطاولة و هي تلعب بالقلم و الممحاة كـ مسرحية اطفال.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
تنهد بملل و اغلق كتاب ثم وضعه جانباً فوق الطاولة و هو يقول ببرود :
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
_بالمناسبة ، ما رأيك بقضاء جلسة علاجك بالخارج !؟ لعلك تتحسنين على الاقل ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
رفعت رأسها من فوق الطاولة و تمتمت بغباء :
_ماذا !؟
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
_كما سمعتِ.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
غمغمت بتفكير ثم قالت مبتسمة بحماس :
_حسنٌ ، لنذهب ☺
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
*
ركن سيارته عند مبنى مهجور ، بوابتها شبه صدأة ، تقبع أعلاها لوحة قديمة تكاد تسقط و قد تجمع فوقها الثلج ، كُتب شيء ما عليها بخط غير واضح :
"مدرسة برادلي الثانوية"
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
بقي جين يحدق للمبنى بتمعن ثم دار ببصره ناحية ماري و قال :
_لمَ تريدين هذا المبنى بالذات !؟
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
نظرت اليه بتعجب ثم قالت :
_"لماذا" !؟ ، ألم تقل لي بأنني سأتحسن ان تغلبت على مخاوفي !؟
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
_همم .. بلى.
_اذا سأتغلب عليها.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
ترجلا من السيارة مغلقين الباب في نفس الوقت ، صاح جين بإمتعاض :
_هيه ! لا تغلقِ الباب بقوة يا هذه.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
قاطعته مسرعة :
_إتبعني ! من هنا
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
*
اخذا يتجولان هنا و هناك .. يدخلون فصلاً ثم يغادرونه ، بعدها ذهبا للساحة الخلفية للمدرسة ، كان واقفاً بجانب ماري التي قد شمرت اكمامها و اخذت تحفر الارض عند بقعة غطاها الثلج و امامها لوحٌ خشبي متكسر قليلا .. نُقش عليها بخطٍ متكسر :
"السيد فلافي ، توفي عام 2006 نوفمبر .."
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
نظر جين بتمعن للوح ثم قال :
_فلافي !؟ أليس هذا شبيهاً بأسم ذاك الهيكل العظمي !؟
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
لم ترد .. فقد كانت منشغلة بالحفر ، قالت بعدها :
_بلى ! هذا صحيح ، كان إسم قِطِي سابقاً
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
فجأة شهقت عندما امسكت بطوق قطط أسوَد ، نهضت من على الارض بينما جين ينظر اليها بتعجب .. قالت بعبوس :
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
_عندما توفي والداي في ذلك الحادث .. كنت بالصف الثالث ثانوي ، اصابتني عُقدة نفسية .. إذ انني كنت اخشى ان التقرب من اي
احد خشية ان يصيبه نحسي و يموت .. و رغم ان زملائي بالفصل كانوا يحاولون التقرب مني .. لكنني كنت اصدّهم ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
صمتت بضيق ، قال جين بعد برهة :
_لكنني اعرفك منذ اسابيع و لم امُت بعد.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
نظرت اليه ماري بعبوس ثم تابعت بصوتٍ خفيض :
_هذا ما يحيرني ، فعندما قررت مصادقتهم .. اُصيبوا بـ جدري الماء و لم اراهم بعدها ، و قبل ان يرحلوا .. اهدوني هدية لـ قطة بيضاء صغيرة ، لا استطيع وصف مدى سعادتي حينها ، لكن ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
رفعت الطوق لـ مرمى بصر جين و قالت بعبوس اشد :
_أترى هذا الطوق !؟ لقد بذلت جهدي في صنعه ، و عندما وضعته حول عنق القط ، دُهس من قِبل دراجة نارية عندما كنت اتنزه برفقته في الحديقة ، كُل هذا بسبب نحسي ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
تغيرت ملامحها من العبوس للتعجب و هي تقول بإستغراب :
_الغريب في ذلك ، ان جدتي لم تتعرض لشيء ، حتى انت و شقيقتك .. تبدون مميزين ☺✋
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
غمغم جين بتفهم ثم قال ببرود :
_أتعلمين .. اظن ان هذا ليس بسبب حظك ، و إنما بسبب تفكيرك السوداوي الذي جعلك تعيشين في دوامة القلق هذه.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
_أحقا !؟
_بلى ، حتى و إن كان حظك سيئاً .. فلا بأس لو عشتِ حياتك على حساب الناس ، كوني انانية قليلا. ✋
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
انهى كلامه بابتسامة واسعة رسمها على ثغره ، بينما بقيت ماري تحدق اليه بذهول و هي تضم الطوق لصدرها متمتمة بلمعان :
_سيد جين ، أتعلم !؟ تبدو حكيماً جدا هذه الفترة ..
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
رمش جفنيه بتعجب ثم ابتسم بغرور قائلا :
_هه ، المرور بهذه المِحنْ تجعل الإنسان حكيماً.
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
_اوهو و ها قد بدأ يتفلسف.
_فلسفة في عينك.
أنت تقرأ
إبقى معي | stay
Humor( جـيـن إلمورت ) شابٌ عشريني يمتلُك عيادةً خاصةً به و يعملُ كمُستشارٍ نفسيٍّ فيها؛ في ظروفٍ سيئة و غبية يتلقى خبر وفاةِ خطيبته .. ، فيُصاب بحالةِ يأسٍ و يُغلق عيادته. ^نبذة بنت كلب