عبث: استغراق..

1K 71 35
                                    

الكثيرُ من المشاعر قد تداخلتْ لتكوّن نصاً قد لا تفهمه لفوضويّةِ الأشياءِ فيه..
~~~
~~
~
إلى من حفرَ ذكراهُ بكلّ إنش من ذاكرتي..
إلى من توّج نفسه ملكاً على عرش أفكاري..
إلى من كان يوماً و لا يزالُ سبباً في تعاستي..
أُهديك هذه السطورِ..
.
أشحتُ بنظري نحو نافذةِ قاعةِ الدرس، ليس من عادتي التركيز خاصّةً في حصّةِ الأدب.. ما ذنبي إن كانتْ أفكار الفلاسفةُ لا تُمثلني؟
لكنّْ أُذنايَ هذه المرّة التقطتْ أمرًا جديراً بالإصغاء..
لمْ تكُن نظرةً فلسفيّة أو حقيقة علميةٍ، بل كانتْ إجابةً عبثيّةٍ وضعتها الأستاذة:"كما تُقتلعُ الأشجارُ من جذورها، تُقتلعُ الذواتُ من وجودها"
و لأوّل مرّة، أجدُ كلاماً مثيراً للاهتمامِ، لاح تساؤلٌ بمُخيّلتي فرفعتُ يدي لأستأذن الكلام، تلقيتُ اشارةً من السيّدة لي..
سألتُ:"ما الذي يجعلنا غير موجودين؟"
أطرقت الأستاذة قليلاً ثمّ أجابت:"عديدةٌ هي الأجوبة في الواقع.. لكن، أكثر ما يُقنعني أنّ كلّ ما يُجرّدنا من أنفسنا يجعلنا غير موجودين"
ظننتُ الأمرَ سيحلّ معضلتي بيد أنه زادني شكوكاً..
<كلّ ما يُجرّدنا من أنفسنا؟>
ما الذي يجرّدني من نفسي؟
أشعرُ بالضياعِ التامّ..
لقد استغرقتُ في دواخلي إلى أن فقدتها..
تبعتُ غايتي إلى أن أضعتها..
تأملتُ ذاتي إلى أن نسيتها..
و ظننتني أجيدُ لغتي..
ربما الأمر لم يتعلّق بي يوماً.. بل بك!
أعدتُ الالتفات نحو النافذةِ من جديد..
ما يُجرّدني من نفسي؟ أكان ذلك أنت؟
إلى أين تأخذني بحق الله!
اكتملتْ فصولُ روايتك، لكن ماذا عني؟
ألا ترى البضع صفحاتٍ المُتبقية لي لأعيشها؟
أو تعلم.. أنا ميتة على قيدِ الحياة..
أتذكرُ ذلك اليوم؟
آخر موعدٍ لنا قبل انتهاء صفحاتك..
ذهبنا إلى معرض رسامك المفضّل..
تذكرُ تلكَ الصورة الهادئة التي تُمثلني صحيح؟
لقد أحببتَ ألوانها الخفيفة و تدرّجاتها..
ماذا عن تلكَ القاتمة المليئة بالتفاصيل؟
قلتَ أنّها أنت! و أصبت!
أجل لقد فعلت..
حضوركَ زلزلَ حياتي و غيابك أحدث فيضاناً بنهرِ أحزاني..
عديد التقنياتِ ٱستخدِمتْ لإنجاز اللوحة..
و ما أغرب تقنياتكَ في الاستيلاء على نفسي..
الذكرى هادئة تداعبُ حياتك أو عنيفة تستولي على ذاتك..
عجيبةٌ هي قوّتك.. بل عجيبةٌ هي مكانتك في قلبي..
بكيتُ على قبرك، بكيتُ كثيراً..
و الغريبُ أنّك لمْ تغادر الحياة بعد..
جلّ ما فعلتُه، أنني ألقيتُ بكتابكَ بعد أن أخرجته من مكتبتي..
لكنّ صفحاته تطايرتْ، و إلى الآن، واحدةٌ تلو الأخرى..
من وقتٍ إلى آخر، ترتمي احداها على زجاج نافذتي فأقرأك بينما أسترجع نفسي القديمة.. المُتيّمة بك..

انتهت..
شعرتُ بالقلقِ فتحدّثتُ إلى سارة..
فوجئتُ بأحدهم يهمسُ إلى جانبي..
كانت نفسي.. قالت لي:"إليكِ مشاعراً دعيني أسمع وقعها على سطورك "
قد لا تعجبكم، لكن، يكفي أنّ نفسي أحبتها..

زفرات قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن