إلى الطفل الصغير بداخلي، إلى ذلك المتكوّر على نفسه في ركن باهت، إلى ذلك الذي يجيد الصمت، إليك سأكتب هذه المرة.
لمن البديهي لشخص مثلي يجيد الاعتذار أن أعتذر لك على عدم الكتابة إليك كل هذه السنوات.
غير أنّي أريدك أن تعلم -إن كان هذا سيجعلك أفضل-أنّك لست وحيدًا.
كثيرة هي 'الأشياء' التي يجب أن أعتذر إليها، حتّى أنّها صارت توصي صديقاتها بألاّ يطللن عليّ،
لأنّ اهتمامي بها لحظي، ولأنّه وإن طال، فلن يصبح مكتملاً.
تسأل لماذا؟ لأنني عاجزة.
تتساءل عمّا يُعجزني؟ الكثير من الصخب، والكثير من الفراغ أيضًا.
ليست حجّة صحيح؟ إليك الحقيقة، لستُ أدري.
أفكاري اشتدّت تعقيدًا، وكذلك هي كتاباتي. باتت مبهمة، لم تعد تراودني في قالب يحمل ثمانية وعشرون حرفًا. تراودني في شكل لا أجيد غير الإحساس به. لا تغادر مساحة ضئيلة بقي الفنّ فيها حيًّا. لكنها ماتزال عاجزة على أن تولد.
الآن... مرّ الكثير من الوقت...
من المفترض لي أن أكتب رسالتي هذه، لكنّ مساحة الفنّ محدودة.
أن أحفظ الأوراق المكدّسة فوق مكتبي، لكنّ وقتي يتآكل فيما تعرقل أحلامي صاحباتها.
أن أقرأ الكتاب الملقى فوق رفّي، غير أني ما عدتُ أستشعر من الكلم حرفًا.
أن أفعل الكثير... لكنني لن أفعل.
وذات صدفة –كما الليلة-، سيحرّك أمرٌ ما ساكنٌ لي، سأعتذر لكلّ شيء. ولن أتوب كما اعتدت.
سأمضي في الفراغ، ستضمحل مساحتي المشرقة، سأصبح كأيّ كان ولن أمانع الأمر، لأنّ كلّ فنوني فقدت معانيها. بسببي.
إلى أفكاري الجنونية، طاقاتي الخيالية، كتاباتي التي لم أنهيها، وتلك التي قررتُ أنّها سيئة ولا تصلح.
إلى الكثير الذي لم أشرع في كتابته حتّى، إلى تلك التي نسيتها، إلى شخصياتي العاجزة، إلى عوالمي المتهالكة، وخواطري التي مزّقتها.
إلى كلّ تفصيل كاد يضحى فنًّا... أنا آسفة.
لست بكاتبة.
لستُ أصلح لذلك.
وكذلك إلى الطفل الصغير الذي كنتُ سأكتب إليه، آسفة لأنني مضيتُ في أفكاري دونأن أعتذر إليك كما ينبغي.