عندما توقفت شهرزاد عن الكلام المباح (الجزء الثاني)

9.6K 594 45
                                    

#وتوقفت شهرزاد عن الكلام المباح (الجزء الثاني)
الفصل الرابع
استطاعت الملكة الذكية أن تغير صوتها لتبدو كفتى و أدعت لحراس البوابة أنها تحمل رسالة هامة من الملك شهريار لمملكة مجاورة علي الحدود الشرقية للبلاد، و سارت بالفعل في ذلك الاتجاة بجوادها الأسود حتى ابتعدت عن مرمى بصر أبراج المراقبة. لحسن حظها أن الشمس شارفت على المغيب، لذا لن تسير طويلاً في هذا الإتجاه. كان عليها أن تريح الجواد قليلاً، كما أنها إرتاعت أن شيئاً يمكن أن يصيبها جنينها إن أجهدت نفسها كثيراً، لكن ليس من البد حيلة، الوقت على رقبتها سيف. كل دقيقة تحسب. غيرت إتجاه الجواد و كانت وجهتها الغرب.

كانت قد أرسلت خطاباً مع أحد العبيد المخلصين لصديقة حميمة لها كانت ابنة لأحد تجار السوق، لكن منذ دخلت القصر، و شهريار نهاها عن معرفة أي أحد سواه. لذا انقطعت الصلة ، لكن المحبة باقية. طلبت في الخطاب منها أن تجهز لها العدة بعربة صغيرة يجرها بغل هزيل، و ملابس امرأة مسكينة عجوز. و الكثير من الطحين و الماء.. و قد كان لها ما أرادت.

حيت صديقتها التي كانت تنتظرها حاملة مصباحاً في يدها، لإن الليل قد أسدل ستاره منذ قليل، و ارتدت الأثمال البالية التي طلبتها، و بدرت الطحين الأبيض على شعرها. ثم خلطت بعضاً من الطحين بالماء و القليل من الطمي، و وضعته على وجهها ويديها. وقفت قليلاً في هواء الليل البارد حتى يجف الخليط عليها.

رفعت صديقتها المصباح قليلا ، كي ترى وجهها، و صاحت متعجبة ضاحكة: " يا إلهي.. تبدين كعجوز أصابها الجزام! حماك الله يا صديقتي، فإن لك من الحنكة و الدهاء ما لا عين رأت و لا أذن سمعت. لولا بريق عينيك لأقسمت أنك قد تخطيتي العقد السابع من عمرك." نظرت لصديقتها ضاحكة، بعد أن وضعت عصبة ذات ثقب صغير جداً فوق عينيها. الأن فقط أكتمل تنكرها، ثم أكملت المسير بصحبة عبد صغير فتي ماهر في رمي السهام، كانت صديقتها قد أصرت أن يصحبها حتى يسليها طوال الطريق. كما أنه قادرٌ على حمايتها برغم طراوة عوده، و صغر سنه. و دعت صديقتها، و انطلقت العربة بها و بالفتي.

ظلت صامتة طوال الرحلة. ظلت تتذكر كيف كانت كأسيرة في قصر زوجها. تصحو كل صباح تتحسس عنقها متأكدة أنه لا يزال في مكانه، و مابين رعب و توجس و غضب مكتوم و غيرة، أحبته.. نفضت سيل الذكريات من التدفق عبر قلبها. و أقسمت أنها ستلقنه درساً لن ينساه. ستنتقم لقلبها، و قلوب كل النساء ضحاياه، و قلوب أهاليهن الثكلى. وضعت يدها على بطنها، و كأنها توثق ذلك القسم أمام طفلها الذي لم يرى نور الشمس بعد.

الفصل الخامس
أفاق مسرور في غرفته، ليجد أن الطعام قد رفع من على مائدته و أن عشيقته غير موجودة. نظر إلي الشرفة، و أكتشف أن الليل قد حلَّ منذ وقت طويل. ما الذي حدث له؟ يبدو أنه قد أكثر من الطعام و الشراب. سارع بأخذ سيفه المهيب، و أتجه إلى غرفة شهرذاد عبر أحد السراديب السرية في القصر، لا يحتاج لأخذ أي مصباح، فالطالما سار بهذا الطريق مراراً و تكراراً، حتى حفظه عن ظهر قلب.

لن يذهب كعادته، لإبلاغ سيده قبل تنفيذ الأمر سيقتلها ثم يعلمه. لا يعلم لما على وجه الدقة سيفعل ذلك، لكن حدسه يخبره بأن سيده سيتردد و يرجع عن قراره، فتلك اللعينة قد علمت كيف تلين قلب مولاه الحجري كقطعة من الزبد.. لا لن يغامر، سيقتلها أولاً، و يشفي غليله، ثم يذهب لمولاه معلناً الخبر.

دلف إلى الحجرة التى لم يكن ينيرها سوى مصباح صغير في أحد الأركان. كان يعلم أن وصيفات الملكة، ينمن في الغرفة المقابلة، و أن غرفة مولاه ملاصقة لغرفة الملكة، لذا كان أكثر حرصاً ألا يصدر صوتاً فيأتي شهريا و يوقفه. و جد الجسد مسجي على السرير بدلال. كاد يفتك بها و ينتهك حرمتها من شدة كرهه لها. أراد إذلالها كما تسببت له في الذل و الهوان، لكنه خشي أن تستيقظ و تصيح، فيفتك به شهراير قبل أن يقتلها.

اشتدت الكراهية في قلبه نحوها أكثر، و أرتسمت إبتسامة مريعة على شفتيه الغلظتين. إبتسامة قاتل لا ضمير له.. وحشٌ يتلذذ بسفك الدماء. رفع السيف البتار لأعلى ، يلمع ببريق مرعب على ضوء المصباح الخافت و نور القمر القادم من الشرفة، ليعاود هبوطه المرعب نحو عنق مولاته شهرزاد..

الفصل السادس
شهريار ظل طوال الليل يجوث في غرفته ذهاباً و إياباً، منتظراً لمسرور. أين ذهب ذلك العبد الغبي؟ لن يكمل مخططه .. لن يجعله ينحرها. إنه يحبها.. نعم يحبها! لا يهم إن ملكت أمره، إن حتى جعلت منه عبداً ذليلاً تحت قدميها. لا شيء يهم.. سواها.

ليست كغيرها من النساء، فبريق عينيها الذهبيتين على سفح من الحقول الخضراء لا يماثل بريق الزمرد و الألماس، لأنه أكثر جمالاً و عذوبة. لا يستطيع تخيل أنه في الغد لن يصحو على صوتها العذب ينادي اسمه يسبقه لفظة مولاي كعندليب صغير يشدو على الشجر. أسرته بخيوط سحرية نسجتها من حكايات و أسرار تخرج من بين شفتيها. لماحة دوماً و ذكي، خفيفة الظل مسامرة، و فوق كل هذا زوجته التي يتيه فخراً به. ألم يزهو بها أمام الأمراء و الملوك في الولائم التي كان يقيمها في قصره؟ ألم تكن ربة للشعر و الفصاحة و البلاغة؟ ألم تضع الحكماء و الشعراء و العازفين و المطربين في مكانة أقل منها بكثير بذكائها اللماح و طلاقة لسانها؟ و مع كل هذا كانت قمة في التواضع و إحترام الصغير و الكبير على حد سواء. تربعت على عرش قلوب رعيته في مكانة أعلى من مكانته، بل جعلت أمته تحبه رغم كل ما ارتكبه من جرائم، حباً و كرامة لأجل خاطرها.

كيف سولت له نفسه إتخاذ مثل هذا القرار؟ حالما يأتي السياف سينهاه عن القيام بالقتل، و لكن أين ذلك الأحمق؟ كيف له أن يتأخر حتى الأن؟ سيذهب لحجرة زوجته، تلك النظرة المودعة التي كانت في عينيها، كادت تودي به، وكأنها تعرف، و كأنها تحس.. كاد يركع ساعتها عند قدميها كطفل ذليل يطلب عطف أمه، لكن كبرياءه اللعين منعه.. آآه من هذا الكبرياء و ذلك العند.. حماقته فاقت كل شيء. يقتل زوجته التي يحبها من أجل كبرياء ذكوري أهوج. كل شيء يمكن إصلاحه، سيذهب لزوجته الآن لا يستطيع إنتظار مسرور أكثر من هذا.

بخطوات واجسة، أسرع نحو الباب الذي يربط غرفته بغرفة شهرزاد. كان و زوجه يكرهان أن ينام الخدم داخل غرفتيهما حتى لا يزعجهما غطيط الأنفاس الغريبة. كاد أن يفتح الباب حين رأى نصب عينيه مشهد تنخلع له أعتى القلوب قسوة. مسرور ينهال على الجسد النائم في سكينة بسيفه ذي البريق الوحشي مهشمة وجة الجثة و عنقها، و ممزقة الجثمان، و الدماء تتناثر كرزاز المطر من حوله. دماء زوجته التي خضبت أرض الحجرة مثيرة إرتفاع ضحكات مسرور الجنونية و صرخات شهريار اليائسة.

ترى هل سيعرف إن كانت زوجته مازالت حية ترزق؟ أم سيؤمن بأنه قد خسرها إلى الأبد؟
©Salwa M
1st May, 2016

عندما توقفت شهرزاد عن الكلام المباححيث تعيش القصص. اكتشف الآن