Chapter 2

790 32 6
                                    

جلس مصعب وحيدا في غرفته، وأخذ يفكر في موقف هيثم واحتفاظه بصرة المال، لقد قال إنه سوف يخبئها في مكان ما حتى إذا لم يعرفا سرها أنفقها فيما يحتاجان إليه..

الشيء الذي يعجب له هو أن الصرة تحت وسادة هيثم فقط، لكن ما أدراه أن صرة أخرى لم تكن تحت وسادته هو أيضا؟ أليس هيثم هو من قال ذلك؟ لماذا يدخل إلى غرفته ويبحث تحت وسادته وليس ذلك من حقه؟ كان الواجب أن يستأذن، ليس هناك تفسير إلا أن هيثم وجد صرة أخرى واحتفظ بها لنفسه. لكن لا... إن هيثم صديقه الوفي منذ كانا طفلين، كيف يمكن أن يخونه ويستأثر بالمال دونه؟... هذا مستحيل.. فليطرد هذا الخاطر عن ذهنه...

***

سمع مصعب صوتا ذات ليلة، ففتح ضوء مصباحه وأنصت لكن الصوت قد اختفى، فظن أنه يحلم، فأطفأ المصباح وعاد إلى فراشه، لكن بعد مرور فترة قصيرة سمع الصوت ذاته، فلم يضيء المصباح، لكنه قام من فراشه وخرج من غرفته بهدوء، ثم توقف ليسمع، فعاد الصوت بعد فترة، أنه يأتي من الطابق السفلي، فنزل السلم بهدوء وحذر، كان مستعدا لأي مفاجأة، ووسط الظلام الحالك الذي تعودت عليه عيناه استطاع أن يرى شيئا أبيض اللون يتحرك، فدهش، وسار بهدوء نحو ذلك الشيء، كان كأنه ستارة، لكن ليس في البيت ستائر ابدا، فلما اقترب من ذلك الشيء لم يجده، كان قد اختفى قبل أن يمد يده نحوه..

***

في الصباح لم يخبر مصعبُ صديقَه بما حدث، لأنه أخفى عنه مكان صرة جنيهات الذهب، فقرر ألا يخبره هو بما يحدث له..

وفي الليلة التالية كان مصعب ساهرا، وقد أطفأ نور المصباح وتصنع النوم، لكنه كان متيقظا لكل حركة أو صوت أو تنفس..

سمع دقات الساعة الثانية عشرة.. الواحدة.. الثانية.. وبعد مرور وقت ليس بالقصير على الدقة الأخيرة لساعة قاعة الجلوس، سمع صوت ارتطام شيء ما، كان الارتطام قويا فيما يبدو، لكن الصوت وصل إليه خافتا، مما جعله يشعر أن مصدر الصوت بعيد عنه..

فهب من فراشه وأخذ معه عصا غليظة كان قد وضعها مسبقا تحت سريره وخرج بهدوء من الغرفة وفي جيبه مصباح يعمل بالبطارية..

نزل إلى الطابق السفلي واتجه فورا إلى قاعة الجلوس وفتح إحدى النوافذ، وفجاة سمع صوتا خلفه، فالتفت مسرعا وفتح مصباحه ودار به في المكان، لكن لم ير شيئا..

فأغلق المصباح وخرج واتجه نحو السلم ليصعد إلى غرفته من جديد، لكنه سمع الارتطام مرة أخرى، استطاع هذه المرة أن يحدد مكان الصوت.. إنه الحديقة..

خرج مسرعا إلى الحديقة وسمع الصوت مرة ثالثة، كان صادرا من الاسطبل الخاص بالخيل، لكن هذا الاسطبل مقفل دائماً وليس لديهم مفتاح له، وليس فيه أحد، كان هناك مَن يضرب على باب الاسطبل الخشبي من الداخل بقوة وبطريقة غريبة، ضربة قوية واحدة ثم فترة من الصمت ثم ضربة أخرى كسابقتها وهكذا..

حاول فتح الباب، لكنه لم يستطع، فقال صارخا:- هل في الاسطبل من أحد؟!..

لكن لم يتلق جواباً.. لقد ساد الهدوء...

***

استيقظ مصعب في وقت متأخر بعد أن سمع هيثما يناديه خلف الباب، فقال:- نعم، نعم، أنا آتٍ، لقد أفقتُ..

ثم تذكر ما حدث له في الليلة الماضية، فقام مسرعا، ونزل بعد أن غسل وجهه وصلى بخجل لتأخره، وتناول إفطاره في عجلة، فتعجب هيثم منه وقال:- مالك يا مصعب؟ هل أنت خارج أم مستعجل؟...

مصعب بتوتر:- لا أبداً، لكني تأخرت عن زهوري فقط، أنت تعلم اني أسقيها مبكرا.. هذا كل شيء..

فصمت هيثم، وعرف أن صديقه يخبئ شيئا ما، إنه لم يتعود ذلك منه، ما الأمر؟ لماذا يتصرف مصعب هكذا؟

بعد الإفطار خرج مصعب إلى الحديقة، وتوجّه فورا إلى الاسطبل وحاول فتحه، ثم أنصت علّه يسمع شيئا.. لكنه توقف عن ذلك وتصنع أنه يزيل الأعشاب عن باب الاسطبل ويبحث عن شيء وقع منه حين لاحظ هيثما قريبا منه.. فقال هيثم:- عم تبحث يا مصعب؟ هل أساعدك؟

مصعب:- لا شيء مهم..

ثم استدار وذهب ناحية زهوره وأخذ يسقيها شارد الذهن، فلحق به هيثم وقال:- مالك يا مصعب؟ هل تخبئ عني شيئا؟

رد مصعب بامتعاض:- كلا..

فتركه هيثم وهو مندهش جدا...

***

بقي مصعب ساهرا حتى دقت الساعة الثانية..

لا شك أن هيثما قد نام الآن..

أخذ مصباحه وخرج إلى الحديقة وطرق باب الاسطبل وهو يقول:- هل يوجد أحد؟ مَن بالداخل؟

لكن لم يصدر أي صوت.. وحاول مصعب للمرة العاشرة فتح الباب، لكنه قوي جدا، فلما عجز عنه عاد أدراجه إلى غرفته. وحين جلس على سريره لاحظ وجود كيس صغير أحمر اللون على وسادته، ففتحه، فوجد مفتاحا جميلا من الذهب..

قفز إلى ذهنه باب الاسطبل المقفل، فنزل بسرعة وأدار المفتاح، لقد انفتح الباب، وبا لهول ما رأى...... فرس رائعة، كأنها من عالم الخيال أضاء المكان من نورها الأبيض الفتان، كانت تنظر إليه نظرةَ مَن يعرف صاحبه. مدّ نحوها يدا مرتجفة، ولمسها، كأنه يتأكد من وجودها أو أنها ليست سرابا يصوره له عقله.. فصهلت صهيلا جميلا أطرب قلبه.. فقال هامسا:- يا حبيبتي.. إنك تساوين ثروة!!!...

البيت الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن